فأمرهم بحفظها، وذهب فارًا يريد النجاة، أما الأمير فإنه لم يمهله (١) بعد ما ذهب شد في طلبه تلك الليلة وجد في السير، وأمر جنوده بالنهب والسلب فشرعوا في أخذ ما مروا عليه، ولما أن أشرفوا على رعاياه كان من بينها المغاتير والمجاهيم قد جعل في كل رعية حارسين، فهما في وسط الرعية، فإذا قرب منها العدو خرج أحد الحارسين فرشقهم بالنبل، فإذا انكشفوا رجع داخلها، وهكذا وكان جنود ابن رشيد على تلك الصفة ولا يهملون محمد بن هندي فتراهم يطالعونه من خلفهم، فلما كان ذات مرة اجتمعوا وشدوا على إحدى الرعتين، فأخذوها فخرج الحارسان ودخلا في الأخرى فهم في جهاد وعلاج فعند ذلك أجمعوا أمرهم وحمل منهم مائتان على الأخرى وعزموا على أخذها، هذا ولا تزال أعينهم ترقب ابن هندي على البعد، فلا يغفلونه لمعرفتهم لسطوته، فلما غامروا الحرس، خرج صبي من بين الرعية ينادي بأعلى صوته قائلًا محمد بن هندي يا محمد بن هندي تكفى أخذت يا محمد بن هندي اخذت فلانة لعمانية مشهورة بسلامة النسب، عربية متولدة أبًا عن جد، قد نتجت وادخرت ليومها، فلم يشعر القوم إلا به قد صاح بأذن فرسه وأجلب وكانت فرسًا في أعينهم هطلًا، ولبتها تكاد تمس الأرض لضخامتها وهو يسير منهزمًا في بداية الأمر مع منخفض الأرض، فلما سمع النخوة شد عليهم وهو يصيح في آذانها، فصارت تلك الفرس كهيئة الذئب وأقبلت تعدو به كالطير فلم يشعر القوم إلا به كالأسد الوثوب الذي لا يطاق إذا صال، وعجب القوم لتلك الفرس كيف اجتمعت كذلك فرمى بالرمح واختطفه بالسيف فقطه نصفين وشد على إحدى القطعتين فضربها فقسمها إشارةً منه أن ما وصله هذا السيف لا ينجو، فعند ذلك فر ابن رشيد وقومه بخيلهم وركابهم وعدا محمد بن
(١) المهربات هي إمهال الرجل ثلاثة أيام في البلد يستعد للرحيل في خلال هذه الثلاثة الأيام، وبعد مضي هذه الثلاثة يقتله الأمير إذا تخلف، غير أن ابن رشيد لم يمهله بعد مقالته ولا يومًا واحد، بل شد في طلبه، نسأل الله السلامة والعافية، وفي قصة الأمير ابن هندي أكبر مثال من شجاعة العرب.