هندي فغمر الخيل من خلفها فقتل منهم خمسة عشر فارسًا، ونفرت خيلهم تجر أعنتها ولحق الطوير وشد عليه حتى ضربه بالصارم ضربة سقط لها شطره الأعلى، ولم يبق على الفرس سوى وركيه، ولبث محل القطع عشر دقائق أبيض لم يخرج منه دم، فجمع القوم خيلهم تباري الأمير خشية أن يسقط ليركب على الأخرى فتكون الخيل على استعداد هذا وهم يطيرون منهزمين.
قال: من حضر الواقعة أشهد بالله لرايته يعني محمد بن رشيد منبطحًا على ظهر جواده وهو يطير به ويقول اللهم اكفنا شره، يكررها فلم يشعر الفوارس إلا به قد جاءهم من أمامهم فتفرقوا شاردين فشد على الأمير وبعد ما أدركه من خلفه رفع السيف فوق أذنه يقول احفظها لي يا ابن رشيد، فانقلبوا بشرحال ورجع محمد بن هندي بما ناله من الخيل والإبل والسلاح شعرًا:
وما تريد بنو الأغيار من رجلٍ ... بالجمر مكتحل بالليل مشتمل
لا يشرب الماء إلا من قلب دمٍ ... ولا يبيت له جان بلا وجل
فلما كان بعد أيام بعث إليه ابن رشيد يقول: هل أنت مسالم أم محارب؛ فقال بل مسالم ولكنك اضطررتني لأن أكون محاربًا، فأمره أن يعرض طلبه وما يريد، فقال أريد جميع ما أخذتموه تردونه فرده عليه.
وفي هذه الأيام سكن الفارون من الجلائين الذي جلوا من القصيم ومن بينهم آل مهنا وآل سليم والشاعر العوني، واطمئنوا في الكويت ودمشق لاجئين هناك عن حكم آل رشيد.
وفيها ظهرت مواهب الأديب مصطفى كامل صاحب مصر وكان منظورًا إليه فيه بعين الإجلال والاحترام لدى المصريين ولدى معلميه وأساتذته لما امتاز به من حسن الإلقاء وفصاحة اللسان وصراحة القول عندهم واستقلال الفكر وكانوا يعجبون به ويتوقعون له مستقبلًا مجيدًا وسيأتي ذكره في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.