فلما أن أعمل الحيلة وأجابته الدولة، فمنعت ابن سعود وعشائره عن الميرة منها والقدوم إليها شرد، خوفًا من ابن رشيد وقومه أكثر من ألف ذلول ومائة خيال من قوم ابن سعود، غير أن ابن سعود لم يكن ليبالي بهم لأنه لم يعتمد إلا على من كانوا معه من الرجال الأربعين، ثم غزا عبد العزيز في جنوب نجد وأغار هناك على قبائل من الدواسر ولم يصب كبير مغنم ولكنه عاد إلى ناحية الأحساء، وكان ذلك في الشتاء، فتفرق البدو طالبين المرعى لمواشيهم، وما كان يربطهم بابن سعود إلا حب الكسب فمن أين يمكنه أن يلزمهم على البقاء.
ولما أن تفرق من معه بسبب امتناع بعض قواد الأعراب عن مساعدته لأجل تضييق الدولة عليه، بعث إليه والده والأمير مبارك بن صباح بكتاب يسألانه فيه الرجوع إلى الكويت، فخالف هذه الفكرة، وأبى ذلك، وسار برجاله جنوبًا إلى مكان حرض وواحة يبرين، فأقام به شهرًا.
وواحة يبرين هذه قرية كانت حول الأحساء تبعد عنها مسافة، وكانت ذات عمران واسع وشهرة كبيرة تدل عليها بقية آثارها الكثيرة ونخيلها الكثيفة الملتفة، وهي الآن من مساكن بني مرة، وما زال ابن رشيد في الحفر يستنجد الأتراك ويستحثهم على عدوه الجديد بل على آل سعود حتى قطعت الدولة معاش كبيرهم وسدت أبواب الأحساء على صغيرهم فتشتت جيش عبد العزيز.
فلما تحقق ما عمله ابن رشيد من الحيلة وتعذر الوصول إلى بعض تلك الأقطار للامتياز، وصعب عليه تموين جيوشه حتى تفرقت عنه خوفًا من أعدائه المتألبة، وهذا شأن البدو في كل زمان ومكان، ولم يبق معه سوى ستين رجلًا من الجيش الذي بلغ عدده ألفين إلا عشرين عند ذلك نهض لما أراد ابن رشيد حصره إلى جهة الربع الخالي وصمم على المضي إلى الرياض ليضرب ضربةً قاضية إما عليه أو على خصمه، وعزم على الهجوم على الرياض ليستولي عليها أو يقتل في سبيلها، فزحف بهؤلاء الستين البسلاء ويمم جهة الرياض وذلك في خامس شهر رمضان، فلما كان ليلة عيد الفطر إذا قد بلغوا أبا جفان.