وفيها قام الإمام يحي بن محمد حميد الدين بعد وفاة أبيه، فأعاد الكرة على الدرك فحاصرهم في صنعاء حصار دام ستة أشهر حتى أكل أهل المدينة أثناء الحصار لحم البغال والحمير، وأكلوا الفيران، حتى سلم الأتراك الذين فيها ليحيى، وفيهم الأهالي، وكان عددهم لا يقل عن ستين ألفًا، ولكنهم أعادوا بعد ذلك الكرة على صنعاء فتقهقر الإمام وجنوده إلى شهارة فتبعهم العدو إلى تلك المضايق الهائلة، وخسر العدو هناك الحرب، تلك هي وقعة شهارة لم يكن مع الإمام غير ثلاثة آلاف مقاتل غلبوا ثلاثين ألف من الأتراك، وقد حارب وجنوده عساكر الأتراك حتى بالصخور أيضًا يدحرجونها عليهم، وأهل اليمن يحسبون النصر في تلك الوقعة أعجوبة، بل كرامة من كرامات يحيى.
وكان يقول في حصاره لصنعاء لمن يحدثه أطعمناهم النار والفار، فسلموا بدون شرط وفاز يحيى في تلك الثورة بأن غنم سبعين مدفعًا وكثيرًا من الذخيرة والسلاح، وهذه نبذة من ذكر يحيى هو صاحب الدهاء والسياسة الإمام يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى، بويع بالإمامة في شهر ربيع الأول من هذه السنة يوم الجمعة الموافق لعشرين منه بعد وفاة والده في الشهر المذكور، لأنه توفى قبل أن يختار وليًا لعهده، فاجتمع العلماء والأعيان وأرباب الحل والعقد وأجمعوا على مبايعته بالإمامة لاعتقادهم أنه خير من يستطيع النهوض بأعبائها، ولاستجماعه الشروط الشرعية وهي أربعة عشر، فامتنع في أول الأمر وتردد فأصروا عليه وألحوا ولم يقبلوا له عذرًا فأجابهم إلى سؤالهم ووافقهم، وشروط الإمام عندهم أن يكون ذكرًا مكلفًا حرًا مجتهدًا علويًا فاطميًا عدلًا سخيًا ورعًا سليم العقل سليم الحواس سليم الأطراف صاحب رأي وتدبير مقدامًا فارسًا.
أما صفة يحيى: فكان ربعة من الرجال صغير اليد والرجل، أسمر اللون علي الجبين مستدير الوجه قاتمة، له فم كفم الطفل بارز صغير وله منخاران بارزان، الحق أنه دميم، عيناه سوداوان قريبتان من أنف قصير عريض صفته نور يضيء وشرارة في بعض الأحايين رواعة، وله لحية مستديرة سوداء قصيره يتخللها خيوط من