للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عم أكل الناس يبغضه؟ قال ومن يحبه لعنه الله، ولكن يجب ألا يسمعنا أحد فيبلغه ذلك، وكانت الذبيحة التي قدمها يتسامن المعز، فسكت ابن رشيد ثم جعل يقلب عصعص التيس ويقول: هذا تيس يلعن حيك يردد هذه الكلمة، وكان نور السراج ضعيفًا فجعل المضيف يقلب النظر فيه بين مصدق ومكذب لما عرف لغته وتذكر ابن رشيد فإذا هو فصرخ الرجل صرخة لما كان يعلمه عنه وكان مستندًا على الحائط واقفًا، فأزال الأمير الكوفية عن وجهه وبدره بقوله: لك عهد الله وميثاقه أن لا يصلك مني بأس، فإذا به قد سقط على الأرض وقضى نحبه، فعياذًا بالله من هذه الفظاظة.

وكان ذات يوم جالسًا للناس في الفلاة بين أصحابه، فاحسّ بشيء يلدغه في ظهره، فخاف أن تكون شيئًا من الحشرات التي لا تستحق الاهتمام، فسكت وتجلد حتى انتهى من عمله، ثم دخل إلى الخيمة وطلب أحد عبيده فجاء ورفع ثيابه فإذ ما بين كتفيه عقرب كبير يلدغ جلده، فصاح العبد مذعورًا وخشي أن يمس العقرب، فتناوله الأمير عبد العزيز بيده ورماه خارج الخيمة، ثم أمر الخادم أن يذر على مكان اللدغ رمادًا حاميًا، ونام الأمير بعد ذلك كأن لم يكن شيء، وكل هذا يدل على صلابته وشدته وحدته وقسوته، وكان في ظلمه وعسفه وجبروته تضرب به الأمثال، ولا ريب أنه نقمةً أحلها الله بأهل نجد وعذبهم به، وكان يبعث رجاله إلى أهل القرى تنهب البطيخ واليقطين والرطب والبرسيم، ومن أبى فإنه يؤخذ ظهره بالضرب والتعذيب، وكان يبعث إلى أرباب البقر من يأتي بألبانهم إليه فبعدما يحلبونه ويمخضونه على مرأى من الأطفال والعوائل، ينتظرون خادم الأمير فيطرق الباب ويأخذه، وقد يبعث إلى أهل البيت بسبعة ريالات أو ستة لعلف البقر، أضف إلى ذلك مسائل أخرى من المحن.

وقد وصل في هذه الدرجة إلى أشياء يستحي من ذكرها، بلغت في التسفل إلى غاية لا يرضاها لنفسه كريم، وجرَّ عساكر الأتراك إلى نجد، وأهان أهل الدين والعلم وأجلاهم عن الأوطان، ولم يرع لكبير حرمة، ولم يعامل ضعيفًا برحمة،