ولما كان بعد غروب الشمس خرج رجل من بريدة لأن يقطف الرطب من نخل له في السباخ، فحينما صعدها إلى فرعها رأى النيران مشتعلة في العشاش قد أضرمها ابن سعود وجنوده، فأقبل منهزمًا إلى بريدة وأخبر أبا الخيل بذلك، فأمر على أهل البلد أن يسيروا آخر الليل إلى جهة باب البلد الجنوبي، فجعله لهم موعدًا، وبات يدور على الحصون والأبراج التي في سور البلد يحثهم على الثبات، وما زال كذلك من قديم في شدة الاحتفاظ.
ولما أن طلع الفجر خرج الناس على أهبة للقتال، فالتقى الجمعان في موضع يدعى سعة الله، قريب من البلد على قدر عشر دقائق، وحصل قتال شديد وجلاد أكيد، اشتركت فيه البدو، وكان لما هجم البدو احتاط لذلك ابن سعود وجعل الحضر في مؤخرهم ليمنعوهم من الفرار إذا أحسّوا بالهزيمة، أما الحضر فإنهم في الجيوش العربية كالجنود النظامية، وأما البدو فهم بدو وغزوهم وقتالهم ونصرتهم بل وكل أمرهم عجب، فلا إله إلا الله ما أعجب حالة البدو كما في كلام بعضهم يصف البدو أنهم كالقرلى أن رأى خيرًا تدلى أو رأى شر تعلى، وقد كان هذا المثل صادقًا عليهم، ومن عادتهم أن يجيئوا ويرحلوا ويحاربوا ويشردوا كما توحي إليهم طباعهم وترشدهم الحوادث.
فانهزم الإمام عبد العزيز وقتل من رجاله خمسة وأربعون مقاتلًا في مزارع السباخ وبين نخيلها، واستمر عبد العزيز في سيره جنوبًا حتى وصل إلى عنيزة، ثم نقل منها إلى البكيرية، ثم الحرس وجعل هناك يجند الجنود من الحضر، وتراجع أهل بريدة وقوم ابن رشيد وعاد سلطان إلى الجبل وترك أخاه فيصلًا أيضًا في بريدة ردئًا لأبي الخيل.
ولما بقي فيصل بن حمود عند الأمير محمد في بريدة جرى بينهما خلاف، فغضب فيصل وعاد إلى الجبل، ولما أن قدم على أخيه فيها أغضبه وساءه فعله، فبعثه بمهمة إلى الجوف وقصده بذلك إبعاده عنه، ثم إن ابن سعود نقل من الرس إلى جهة عنيية فنزل هناك في جبل يسمى سواج، وجعل يترقب الفرص للهجوم، وبينما هو كذلك علم باختلاف أبي الخيل وفيصل ابن رشيد واختلافه مع أخيه، فسارع إلى جبل شمّر،