لقد كان الشريف ما يقصد الحرب إذ ذاك والمناورات، إنما يريد إزعاج ابن سعود وإكراهه فيما يريد، وقد كتب إليه وهو يفر ويكر من ماء إلى ماء يؤكد ذلك وقال في كتابه إذا هجمت علينا تركنا لك المعسكر والخيام وعدنا بأخيك سعد إلى مكة فيبقى عندنا إلى أن تطلب الصلح، وهذا الصلح شروطه بيد الشريف حسين.
ومن غرائب الاتفاق أن خالد بن لؤي أمير الخرمة كان يومئذٍ الواسطة بين الأثنين، وخالد هذا وأهله وإن كانوا من أشراف الحجاز فهم منذ القدم على ولاء آل سعود وظلوا متمسكين به محافظين عليه.
جاء خالد إلى عبد العزيز بن سعود يعرض عليه شروط الشريف، ولم تكن غير شروط الدولة التذي تطلب أن يعترف بسيادتها ولو إسميًا في نجد أو في القصيم على الأقل وطلبت فوق ذلك أن يدفع ابن سعود شيئًا من المال عربون التبيعة كل سنة تالية أن الأمير مضحك عجيب ابن سعود يستدين من نسيبه ووكليه في البصرة ما يسد به حاجاته ويحيله على الدولة، والدولة تسعى بواسطة الشريف أن تدخل ابن سعود في تبعيتها فتتقاضاه بدل أن تدفع له ما كانت تدفع.
ولما جاء خالد يحمل شروط الصلح، وخالد وإن كان بدويًا فهو على شيء عظيم من الدهاء والذكاء، فلما جاء تكلم مع عبد العزيز بهذا الكلام البديع: اسمع يا عبد العزيز، أنا أعلمك لا غايةً للشريف سيئة، لا والله ولكنه يبغى يبيض وجهه مع الترك، فاكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك وأنا أتكفل برجوع سعد، وأتكفل أن الشريف لا يتدخل في أمور نجد، هذا إذا كنت لا تتجاوز الحدود، أما إذا هو اعتدى عليك فأنا خالد بن لؤي أعاهدك عهد الله عليك، فأكون معك والله كما كان آبائي مع آبائك وكما كان أجادي مع أجدادك، فقبل عبد العزيز بتوسط خالد وكتب له قصاصة ورق تنفع الشريف عن الترك ولا تضر، كأنها فقد تعهد فيها أن تدفع بلاد نجد للدولة ستة آلاف جنيه مجيدي كل سنة، وما كانت غير قصاصة من ورق كلام الليل يمحوه النهار، وقد جاء في بعض التواريخ أن الواقعة كانت قبل هذه السنة بسنتين، والصحيح ما أثبتناه.