وقد أوردنا ذلك ليعلم النصف مبلغ احترام ابن سعود للحسين، وأنه لم يأل في مسالمته، فما أظنك لو اعترف الحسين لابن سعود وقدر هذه التعطفات قدرها، ولكنه طموح في مقاصده، فكان ينظر إلى ابن سعود نظر ولي الأمر إلى موظفه.
أضف إلى ذلك أن الأتراك لما خافوا من حركة الحسين وانقلابه الذي بادرتهم بوادره، عرضوا على ابن سعود إمارة مكة، فأبى وأصرّ على الرفض لأن قبوله لغرض الأتراك الذي اضطروا إليه سيجعل مركزه حرجًا، فلن يرضى الحسين بذلك، ولما كان في هذه السنة قام الحسين يشمّر الأردان وخرج من الحجاز بجيش من البدو والحضر، وكان ذلك في رجب منها فنزل الكويعية محلة عتيبة وبلادهم، وقد قدمنا أن أخا جلالة الملك سعد بن عبد الرحمن جاء يستنجد عتيبة، فلما أن قرب منها خرج إليه من الكويعية شرذمة من خيالة عتيبة فظنهم جاءوا يلاقونه ويرحبون، ولكنه عندما دنوا منه إذا لم يكن معه غير أربعين رجلًا، فركب وعشرةً منهم الخيل وقفلوا راجعين، وذلك أنه استراب منهم فلحقتهم عتيبة يؤمنونهم قائلين: نحن خدامكم فقوا ولا تخافوا فصدقهم سعد، وما أشار عليه رجاله بالثقة بأولئك وحذره فوقف وأخذه بنو عتيبة وصادوه، ثم بعثوا به أسيرًا إلى الشريف حسين، ولما بلغ عبد العزيز هذا الخبر وكان قد تأهب لمحاربة العرائف بالحريق، فعندها ترك أربعمائة من رجاله بقيادة فهد بن معمر في الخرج وكرَّ راجعًا يستند أهل نجد لينقذ أخاه.
أما الشريف فبعد أن أسر سعدًا رحل من الكويعة شمالًا فنزل الشعراء، ثم زحف من الشعراء شرقًا فنزل على ماء قريبًا من الوشم، ولكنه عندما علم أن ابن سعود قد وصل بجيشه إلى ضرما ما تراجع غربًا فنزل على ماء يدعى عرجا، وأرسل يستنجد ابن رشيد، فكتب وكيل الإمارة زامل ابن سبهان إلى الأمير عبد الله بن جلوي، وكان إذ ذاك أمير القصيم يقول في كتابه أن بيننا وبين الشريف معاهدة تضطرنا إلى مساعدته، هذا وما كأنه كان بينه وبين ابن سعود، بل الصلح الذي بين ابن سعود وابن رشيد ما هو إلا قصاصة من الورق.