بني قاسم إن كان أودعتم الثرى ... أبا طرزت برد المعالي مناقبه
فخلوا الهوينا واجعلوا الرأي واحدًا ... فيخشاكم نائي البلاد وصاقبه
وألقوا مقاليد الأمور لما جد ... أخي ثقة قد أحلمته تجاربه
بعيد الذي لا يدرك النبث (١) غوره ... أبي على الأعداء محض ضرائبه
أبا حمد لولاك كان مصابه ... على الناس ليلًا لا تجلي غياهبه
سقى الله قبرًا ضم أعظم قاسم ... من العفو شؤبوب رواه سحائبه
وثن إلهي بالصلاة على الذي ... سمت في مقامات الكمال مراتبه
كذا الآل والأصحاب ما ناح طائرٌ ... بأفنان ودح تستميل ذوائبه
ورثاه أيضًا شاعرنا المذكور بأخرى تذكر مطلعًا وهي قوله:
ترى من حنيني كان شدو الحمائم ... ومن أدمعي كان استقاء الغمائم
فلا غروان انطلقت بالشجو صامتًا ... وأبكيت حتى راتعات السوائم
فقد جل هذا الخطب متى تدكدكت ... لموقعه شم الجبال المعالم
وحتى هوى بدر الدجنة واكتست ... له ظلمة زهر النجوم العوائم
لعمرك ما يوم قصى فيه قاسم ... على الناس الأمثل يوم التزاحم
مضى هضبة الدنيا وبدر دجاها ... وفارسها المسشهور عند التصادم
ولا نطيل بذكرها فعلى من أحب مراجعتها أن ينظر في ديوان الناظم.
وفي أخر هذه السنة رجع الملك عبد العزيز إلى الرياض وذلك في وقت الخريف وقدم من البصرة عبد اللطيف باشا المنديل منتدبًا من الحكومة العثمانية للتوسط بالصلح بينها وبين فاتح الإحساء، فقبل عبد العزيز التوسط وأجّل النظر في المسألة إلى الربيع.
وكان ابن سعود كبير القلب واسع النظر عظيم الاطلاع، فأخذ يفكر فيما يبيتون له من الكيد وما ينصبون له من الأشراك, لأنه لما انتصر عليهم واستخلص الإحساء من براثنهم وانتزع نفوذهم من تلك الجهد أيقن بأن تركيا سوف لا تسكت عن حربه ولا تدعه وشأنه، لا سيما وقد كان لا يزال لها في الحجاز قوة
(١) النبث: الحفر.