إلى مصاف الأحلاف فأبى يومئذ الشريف ثم كتب إليه "السير هنري مكماهون" في الموضوع نفسه فتردد وتودد، وكان لا يزال محافظًا على ولائه للعرش العثماني مع أنه لم يحضر إلى المدينة للسلام على أنور وجمال عندما زاراها في هذه السنة، وقد كان نصح للأتراك أن لا يدخلوا في الحرب العظمى ولكنه بعد دخولهم عرض عليهم المساعدة بشروط منها: العفو عن المسجونين السياسيين في سوريا والعراق وإعطاء البلدين نوعًا من الاستقلال أي إنشاء حكم لا مركزي فيهما وعندما رفض الترك طلبه وألحوا عليه رغم ذلك بالتجنيد في الحجاز ذهب إلى قرية خارج مكة يعتزل السياسة إلى حين ثم حدثت الفظائع في سوريا وعلى رأسها شنق أحرار العرب فأثارت غضب الشريف فكتب إلى جمال باشا الذي هو أحد رجال الدولة العثمانية وأحد نقبائها يحتج على أعماله القاسية فأجابه جمال أن يتقي بنفسه بدل أن يدافع عن سواه، ثم كان يفاوض الإنكليز ليتفق معهم ويفاوض أيضًا الأتراك على السوية بل أنه كان يترقب الفرص ليثور على الأتراك ويستقل بالحجاز، ثم أنه أرسل بعض المتطوعين إلى المدينة المنورة وطلب من جمال باشا إرسال المال والسلاح لمساعدة المتطوعين فجاءه من الدولة ستون ألف جنيه، وعلى أثر ذلك أبرق الحسين إلى أنور باشا يقول له إذا كنت حقًا ترغب في إلزامي لجانب الهدوء والسكينة فينبغي الاعتراف باستقلالي في سائر الحجاز من تبوك إلى مكة وجعلي أميرًا وراثيًا فيها كما ينبغي أيضًا العدول عن محاكمة العرب المتهمين وإعلان العفو العام في سوريا والعراق فأرسل أنور باشا هذه البرقية إلى جمال باشا، فكتب جمال للحسين لقد نمى إلى خبر برقيتك إلى أنور باشا فأنت تطلب أن تكون الإمارة وراثية في أسرتك وأن يمنح أشخاص عديدون العفو الشاهاني بعد أن قامت البراهين على خيانتهم للوطن والملة، وليس من المستطاع إجابة هذا الطلب الثاني ولا أدى ذلك إلى ضرر شديد في مسألة لها تعلق وارتباط بالمصلحة العامة فإن الحكومة التي تصفح عن الخونة خليقة بأن يتهمها الجمهور بالضعف بل قد يغري ذلك الصفح كثيرًا من الناس بالخيانة وطعن الدولة والملة طعنة نجلاء فلو عرفت محتويات الوثائق التي ظهرت في المحكمة لرأيت إلى أي حد من الخيانة قد تسفل إليه أولئك المتهمون.