ولا غرو ولا بدع للشريف بن علي إذا أنتفخ من هذه التعطفات وامتلأت نفسه عجبًا، وكان عظيم الاستبداد بالأمر دون الوالي التركي حتى كان لا يترك واحدًا من الأهالي يتقاضى في قليل أو كثير إلا عنده سواء في ذلك الأحوال الشخصية والحقوق المدنية، وكان مع هذا يوعز إلى أعيان الحجاز الذين استولى على قلوبهم بدهائه، وما كان يظهره لهم من التحبب والعطف والتواضع أن يكتبوا للدولة بالشكايات من الولاة الأتراك، وأن يفتروا عليهم أمورًا لم تكن، ولقد ساعد الحسين على هذه المشاكسة ضعف الكثير من الولاة الأتراك الذين كانت تبعثهم الدولة العثمانية غافلةً عن ضخامة المركز الذي سيشغله وحروجته وشدة حاجته إلى رجل باقعة في السياسة، صلب العود شديد البطش، يستطيع أن يوقف كل معتدٍ عند حده، بل غفلت الدولة عن كل هذا، فكانت تبعث كل عام من الولاة من يمثل ضعف العزيمة والخور، فما يلبث أن تبث الشكايات فيه بالحق والباطل، فيذهب ويجيء غيره، وهكذا إلى أن وقفت الدولة لرجل جمع صفات الولاية ومؤهلاتها من سياسة إلى ذكاء وفطنة إلى حب للخير، وعطف على الناس إلى شجاعة وقوة عزيمة وصرامة، رأي ذلك هو "وهيب باشا" الرجل الذي بيض بالحجاز وجه الدولة، ونال بحق إعجاب عقلاء الحجازيين، ولكنه مع الأسف جاء والخرق كان واسعًا والشريف كان ذا عصبية لا يستهان بها، فأخذ وهيب يعمل بجد وهمة لا يفتر على تحسين مركزه والضرب على يد العابثين، فكانت حرب عنيفة بين الحسين وبينه غبارها مرةً يعلو ومرةً يهبط، ونارها مرةً تصل إلى عنان السماء ومرةً تخبو، حتى كادت تؤدي إلى استعمال السلاح والتقاء الجيوش، ومن كان له أنفةً وشيمةً فلا يرضى لنفسه بالدنايا ولا يدع حقوقه تمتهن، ويسكن غبار تلك المشاغبات سياسة وهيب وحكمته، وما كان وهيب باشا يقرب من الغاية، حتى جاءت الحرب العالمية التي نحن بصددها، فغيرت مجرى الحوادث، ودبرَّ الحسين ما دبره، وذهب وهيب باشا إلى المدينة من متطوعي الحجاز، وأقام بمكة خلفه غالب باشا وانتهى الأمر بنهضه الحسين التي كان يمني العرب والحجاز بأنها ستنيلهم استقلالًا تامًا وتحررهم