واستفحل أمرهم فصاروا يقطعون الطرق على السابلة والحجاج، وكان لهم صرامة وحميةً وعصبيةً يندر مثلها في العشائر وفيهم التقلب والغدر، عصوا الدولة العثمانية فتركتهم وشأنهم وكثيرًا ما كان عمالها في الحسا يشاركون رؤسائهم الغنائم ومع ذلك فقد كان الواحد منهم يسلب جندي الدولة فرسه ويدخل بها الحساء لينعلها، وعصوا مبارك بن صباح فحاربهم واسترضاهم وما تمكن لا من قهرهم ولا من ولائهم.
وكان من تمردهم أن نسوا معروف الإِمام تركي، وناصبوا ابنه فيصل بالعداوة، فسيّر إليهم نجله عبد الله فأوقع بهم في ملح، وكاد يفنيهم بعدها بعام في واقعة الطبعة بقرب كاظمة على خليج الكويت، ثم أجلاهم إلى نجران، وبعد ولايته واختلافه مع أخيه سعود ذهب سعود إلى نجران فاجتمعوا عليه وآزروه وجاءوا معه يناصرونه وليثأروا باسمه من عبد الله وقد قدمنا في موضعه وآخر أمرهم ووالوا ابن سعود ثم حالفوا عليه أبناء عمه العرائف، هذا مع أنهم أصغر القبائل عددًا فمقاتلتهم لا تبلغ خمسة آلاف مقاتل، وقد تفوقوا حتى نازعوا بني خالد الإمارة, كما قال الشاعر:
وقد قسموا الإحساء جهلًا بزعمهم ... لعجمانهم شطر وللخالدي شطر
وكان لهم شدة بأس وعصبيةٌ يفنى بعضهم في سبيل بعض إذا سئل الواحد منهم أتقبل الخير من الله بنفسك يجيب قائلًا: لا أقبل خيرًا لا يكون للعجمان كافة.
ولقد جائهم ابن سعود بالخير العميم فرفضوه مرارًا بل امتشقوا الحسام عليه والتاريخ شاهد عليهم كما في جراب والإحساء، وسنذكر قصة فيما بعد ذلك في قتل ضيدان وما جرى منهم من إلقائهم أنفسهم إلى التهلكة في طلب ثأره.
ولما أن انتهت واقعة جراب عاد ابن سعود إلى القصيم، وعاد ابن رشيد إلى جبل شمّر فأدبَّ كل واحد من الأمير بن بادية الآخر، ووفق كل واحدٍ بمقصوده، ولكن ابن سعود لم يقتنع بما نال من البادية بل ذهب يطلب خصمه الذي قد رحل