سنين، وسبب ذلك أن حامية المدينة بقيادة فخري باشا وما أدراك ما فخري باشا، إنه رجلٌ من رجال تركيا، قائد عظيم لا يستهان بحقه، وقد استطاع بما معه من الحامية أن يصابر جيش الشريف كل هذه الثلاث سنين بدون كلل ولا ملل، مع أن جيش الشريف كان به من الجنود المصرية والمغربية والضباط الإنكليز والفرنسيين وغيرهم عدد غير قليل، وكان مجهزًا بأقصى ما يمكن من مدافع الحصار ومعدات الحرب العتيدة، ومع أن جيش الشريف كان قد قطع سكة الحديد التي مدت منها إلى الشام حتى انقطع ورود الأرزاق والأقوات والسلاح والمدد عن المدينة بتاتًا، فإن فخري باشا حين رأى ذلك وأن الأرزاق قوإنقطع موردها وأيقن بإصرار جيش الحسين بمساعدة الحلفاء على فتح المدينة والاستيلاء عليها مع ما حل بالأتراك في مكة وجدة والطائف، أصرَّ هو كل الإصرار على الدفاع إلى آخر لحظة من حياتهم، وناهيك به من شهم همام غير أنه لا يستطيع أن يسد مجرى السيول في عباءته.
ولما رأى خطر المجاعة المهلكة محدقًا بالمدينة ومن فيها من جيش وأهالي أخذ يخفف وطأة المجاعة بترحيل الأهالي منها، وكان ذلك قبل أن يقطع الخط الحديدي فكان في كل يوم يقل القطار عددًا يذهبون إلى الشام مرةً ومرة يذهبون إلى العراق ومرةً إلى غير ذلك ولم يكن الجيش الهاشمي يتعرض لهم بل كان يترك القطار يذهب حيث يشاء إذا كان به من أهالي الحجاز الراحلين وقد ذهب بعضهم إلى مكة وغيرها من البلاد الحجازية حيث تشتت جميع أهل المدينة أي شتات، وكان هذا لا بد منه فرارًا من المجاعة التي خيمت على المدينة أثر الحصار فإن الأزواد والأقوات كانت قد فرغت من بيوت الأهالي ومن الأسواق وكان يوزع عليهم فخري باشا كل يوم شيئًا قليلًا، وقد مات بعض أهل المدينة جوعًا ولولا ما استعمله فخري من هذا الترحيل لكانت المصيبة أطم وأعظم.
ومع شدة الحصار وتضييقه فإنه ما كان يمنع فخري باشا من تعمير ما كان يخرب من المنازل بضرب قنابل الجيش الهاشمي التي كانت تصب صبًا على