المدينة بعد أن عقدت الهدنة بين الحلفاء بثلاثة أشهر، وبعد حرب دامت ثلاث سنين كتب فيها لفخري باشا صحيفة من الشجاعة والثبات لا تمحى مدى الأيام ولا تنسى إلى آخر الدهر.
أما السواحل الحجازية فقد سلم أغلبها أو كلها على أثر سقوط جدة بعضها سلمًا والبعض الآخر بعد حرب بسيط، ومما هو جدير بالذكر أنه قد اشتركت الطائرات في حرب المدينة وأكثر السواحل وذلك أن تركيا بعثت طائرات قوادها ألمان ونمساويون فقابلهم الشريف بمثلها استمد الحلفاء فأمدوه بطائرات يقودها ضباط إنكليز.
وقد تعدى الألمان والنمساويون والإنكليز حدود الحرم وخالف بذلك قواد الأتراك نصوص الشرع الإِسلامي الذي يحضر على غير المسلم فعله وهو مجاوزة هذه الحدود وكانت تركيا هي السبب في ذلك.
وكانت المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قبل هذه الحرب العامة خير بلاد الحجاز، وأكثرها عناية والتفاتا من الدولة العثمانية وملوكها وأفرادها فقد وصلت بالشام في سكة الحديد التي تقدم ذكرها، وكان لهذه السكة شأن كبير جدًا في اتساع عمران المدينة المنورة بما سهلت من أسباب الرفاهية وركد العيش لأهلها بما كان يجري معها من الأرزاق والخيرات، حتى كثر المهاجرون إليها فأصبح عدد سكانها كبيرًا جدًا، والذي ساعد على ذلك قابلية المدينة بجوها المعتدل وكثرة مياهها العذبة وغير ذلك مما كان يدعو الأتراك إلى العناية بها، وقد فكروا إذ ذاك في جعل كلية علمية إسلامية بها لشباب الحجاز وغيرهم على أساس فكرة لوحدة إسلامية، ولما أوفدت جمعية الاتحاد لذلك وفدًا لارتياد المكان اللائق لبنائها جاء الوفد ووجد المكان وشرع في العمل وتأسيسها.
ولا ريب أنها لو كانت لانتفع بها الحجاز انتفاعًا عظيمًا، وقد حالت الحرب دون تنفيذ هذه الخطة، فتبين بهذا أن مركز المدينة المادي والأدبي كان يخالف بكثير جدًا مراكز البلاد الحجازية الأخرى بل لم يكن هناك نسبة تقريبًا فتبين بهذا السر في