وعندما وصلوا هكذا في منتصف ليلة ٢٥ شعبان هجموا هجمة واحدة، وكانت الخيالة قد جاءت من وراء مخيم الأمير لتقطع عليه خط الرجعة، فتقدم خالد ومعه الذين شردوا من تربة فدخلوا الباطن ليستولوا على مخيم الأمير، مشوا وسلاحهم الأبيض يلوح في ظلام شفاف، فرفع الإخوان أصواتهم بالتهليل والتكبير فاصطدموا بالسرية الأولى من الجيش الحجاز فذبحوا رجالها كلهم، وكذلك السرية الثانية ثم هجموا على السرايا المقيمة عند مخيم الأمير فتكوا بهم فتكًا هائلًا، وهجم سلطان بن بجاد برجاله وكله من أهل الغطغط على الجنود النظامية وراء المتاريس والأطواب فكانت السيوف تشتغل كالمقاصل، وكان الرجل من أهل الغطغط يثب على المدفع فيذبح الضابط المقيد ورائه بالحديد، ولكن هم يظنون أنهم يبطشون بالإخوان.
أما فرقة الخيالة فقد قطعت خط الرجعة خصوصًا على حرس الأمير فلم ينجو منهم غير الأمير نفسه وبعض الضباط، ونجاب ابن سعود الثاني، وفرَّ عبد الله قبل أن يصل خالد ورجاله إلى سرايا الخيم فثبت بعضهم في النضال ليردوا العدو عن تعقبه وسقط من حاول الفرار صريعًا بين سنابك الخيل.
أما الذين نجوا من الذبح تلك الليلة ولم يستطيعوا الفرار فقد التجأوا إلى حصن من حصون البلد، فهجم الإخوان عليهم في اليوم التالي وجعلوا خاتمة المذبحة كأولها، فتراكمت الجثث بعضها فوق بعض، وكان من اللاجئين إلى ذلك الحصين الشريف شاكر، فكتبت له النجاة ونجا معه شاب من الأشراف اسمه عون بن هاشم سنة إذ ذاك خمس عشرة سنة، وكان يقول لمن يحدثه عن هول ذلك اليوم رأيت الدم يجري في تربه كالنهر بين النخيل فكنت بعدها قد بقيت سنتين عندما أرى المياه الجارية أظنها والله حمراء، ورأيت القتلى في الحصين متراكمة قبل أن طحت من الشباك، ومن عجب ما رأيت أن الإخوان أثناء المعركة يدخلون الجامع ليصلوا ثم يعودون إلى القتال، ثم لم ينج من جيش الأمير النظامي غير ستة ضباط واثني عشر جنديًا، ولم ينج من البدو غير من سلموا وانضموا إلى جنود خالد وأكثرهم من عتيبة وعددهم لا يتجاوز الألف.