فكانت هذه الواقعة هائلة خيم فيها الموت وتطايرت الرؤوس عن الأجسام، وجرت الدماء كأنها السيل والذين قتلوا في الوقعات من جنود الشريف على طريق الضبط خمسة آلاف مقاتل ولم يفلت غير الأمير عبد الله وستة ضباط واثني عشر رجلًا، واثنين من الأشراف وهما شاكر وعون، وفرَّ بقية المنهزمين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأدار الله دائرة السوء على الشريف وجنوده وقفت هذه الواقعة على آماله، وقتل من الإخوان أربعمائة لأنهم ألقوا نفوسهم على المكائن الرشاشة والأطواب، وقتل من أهل تربة والخرمة مائة فقط، ثم صارت هذه الأسلحة الثقيلة والخفيفة وجميع الأملاك والألات والأدوات التي استولى عليها عبد الله بن الحسين من الدولة الغابرة في كتابه الأول بتاريخ ربيع الثاني ملكًا لابن سعود وخسرها كلها الشريف بعد كتابه المشار إليه بأربعة أشهر واستولى عليها ابن سعود.
ومما هو جدير بالذكر أن الحسين قد جهز هذه الحملة بكل ما يملك من سلاح ومدافع ورشاشات حديثة مما كان أخذه من الحلفاء وغيرها من الأسلحة، فكانت من حسن حظ ابن سعود سلحت جيشه بأحدث الأسلحة بقدر ما أضعف من خصمه الحسين.
وكان ابن سعود قد حشد جيشًا عدده اثنا عشر ألف مقاتل، وجاء بهم قادمًا من نجد فزعةً لأهل الخرمة وتربة من هذا الظالم الشريف، ولم يعلم بما جرى إلا بعد الواقعة بخمسة أيام فلما زحف بهذا الجيش العرمرم التقي في الطريق بين ماء الفيصلية والخرمة بالنجاب الشارد فقص عليه الخبر، فاستمر عبد العزيز سائرًا إلى الخرمة ومنها إلى تربة فلما دنى منها رأى جثت القتلى كأنها الجبال فخنقته العبرة، وبكى لهذه الجزرة الهائلة وأمر بدفنهم، فجمع بين يديه الأثاث والآلات والأسلحة النارية فاستولى عليها.
وما كاد يستقر في تربة حتى صاح الإخوان بأصواتهم إلى الطائف رخص لنا بالطائف يالإمام، فمنعهم قائلًا: كفى الباقي جزاء بغيه.