ولما أن جرت واقعة تربة كما ذكرنا ارتج لها الحجاز ودوت بها اللاسلكيات في مشارق الأرض ومغاربها، وقام الحسين وقعد خوفًا على الحجاز، وسمع بها نجله فيصل وهو إذ ذاك ملك على سوريا فأرسل عددًا من الجنود السورية تبلغ ثلاثمائة وصلت إلى جدة بعد الواقعة، ولكن كيف يصنع الحسين بهذا العدد القليل وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأضاف إلى هؤلاء مائتين وجعل عليهم وزير حربيته محمد القيسوني، وخاطب رئيس حكومته عبد الله سراج يطلب منه الرأي في هذه المحنة فلم يجد لديه إلى الرأي الحازم، وهو متابعة الحرب ودفع الغزاة دفعًا لا هوادة فيه، ولكن أين الجيش، أين الغزاة، وعلى أثر ذلك خاف الحسين من النجديين أن يقتحموا الحجاز، ولكنه عاد ابن سعود إلى نجد بعدما أقام خمسة عشر يومًا في تربة، ولا يعلم ما الذي حمله على العودة.
وقد حامت حول الخطة عبارات المؤرخين، فقد قيل أنه اكتفى بما نال الحسين من الخيبة والفشل، ولم يرَ في تلك الفرصة السانحة أن يتقدم إلى الحجاز وأن الساعة لم تحن، وإلا فلو تقدموا تلك الساعة إلى الحجاز لما وجدوا أقل مقاومة، لأن الجيوش الهاشمية انحلت، ويتعذر جمعها، بل إن البادئ بالعدوان هو الشريف، فإن عبد العزيز التصف بالإناءة والحلم اكتفى بما نال خصمه، وأمر الإخوان بالرجوع إلى نجد وهذا احتمال حسن.
ولكن الصحيح أن الشريف حسين بن علي لما بلغت به الساعة الحربية غايتها حقوق الطلب من رئيس حكومته أن يتصل بسفير بريطانيا بجدة المستر "بولارد" يرجوه التدخل في شؤون هذه الشكلة الجديدة ويرد ابن سعود عن حدود الحجاز، فوعده بالسعي بعد أن قال له: أردنا أن نتدخل في الأمر من قبل فأبيتم، فاتصل السفير بلندن ورفع شكاية الشريف وطلبه حماية بلاده، وكان الشريف قد ذكر الإنكليز وعودها وعهودها، فجاء البلاغ من بريطانيا العظمى للسفير فكتبه وسلمه إلى محمد الطويل ناظر الجمارك ليسلمه إلى الحسين بمكة، فاستلم الشريف حسين البلاغ وبعث به إلى ابن سعود في تربة، وهذه صورته: