ذلك المرض فسلم، قال إني رأيت فارسًا أقبل علي وبيده رمح فأراد أن يطعن قلبي فأخطأه إلى الجنب الأيسر.
وكان الوباء فيما يزعمه أهل الكشف بأنه جراثيم قتالة لا تدركها العيون المجردة، ولهذه الجراثيم وخز خفي دونه وخز الرماح، هنا أقول فيه غير أننا نذكر ما نحن بصدده: فذكر لنا أن رجلًا من أهل الديانة والفضل موطنه بلد المذنب في القصيم، رأى في بداية هذا الطاعون في منامه كانه خارج البلد، فرأى فارسين خرجا من خلف أكمةً هناك سلاحمها ولباسهما وخيلهما البياض، فخاف لذلك خوفًا شديدًا وقام هاربًا من سطوتهما يعلوه الفزع والاضطراب، غير أنه لم يستطع السعي لشدة الهول حتى أدركاه فسلما عليه وسكناه بقولهما لا بأس عليك قائلًا: لا نقصدك وإنما نريد أهل هذه القرية، فوالذي لا إله غيره لأن لم يتوبوا لنفعلن بهم كما فعل بقوم هود أو قوم لوط، ثم دخلا قرية المذنب فاستيقظ من رقدته، وكان له ورد من آخر الليل يصلي ما بدا له ثم يوقظ أهله ويذهب هو إلى السجد، غير أنه هذه المرة عجز عن النهوض من منامه حتى أيقظه أهله وأقاموه، فتوضأ وذهب إلى المسجد بعدما طلع الفجر فحينما دخل السجد وجد الناس في الصلاة إذ سقط رجل خلف الصف ثم سقط آخر من الصف، ثم فشى الوباء.
وقد حدثني ثقة قال: مرض إمام مسجدنا ومؤذنه والواعظ الذي يرشد في المسجد، فكنت أؤذن وأصلي بهم وأعظ، وقد كان يصلي في المسجد الواحد في اليوم الذي هو اثنتا عشر ساعة على ما يربو عن مائة جنازة حتى تكسرت النعوش وجعلوا عوضًا عنها أبوابًا وبسطًا تحمل بها الموتى، وهلك من بعض بيوت أهل القصيم قدر من ثلاثة أرباعها، ومرض أهل بيت كلهم غير واحد كان يتولى قضاء حوائجهم ويقوم بميانته وكانوا اثني عشر من الأنفس البشرية، فكان ذلك الصحيح يتولى رعايتهم عنايةً من الله في تسخيره لهم، يتولى شؤونهم، وكان يقول إنني أنا مريض مثلهم غير أني لم أجد فرصة للنوم والمرض، ولقد كان المحسن من الناس من همه حفر الحفور والنقل إليها.