وقد وقع على هذا الخطاب جمع من الحاضرين، بصفتهم أعضاء الحزب الوطني الذي تقرر فيما بينهم وحمله إلى علي، وكان إذ ذاك في جدة وأكدوا لجلالته البيعة بأنفسهم، ولقد تلقى الناس خبر التنازل والبيعة بكل تحفظ، ولم يصدقوا بأنها حقيقة واقعة، وذهب الكثير منهم إلى أن هذه السياسة مدبرة من الحسين إذ انه لا يزال في قصره محتفظا بكل مظاهر العظمة، إلا أن الهرج والمرج قد عمّ البلاد، وحتى أن من يحمل الغيظ والحقد على الحسين أرادوا أن يعتدوا على قصره، وينكلوا به، لما هناك من البغض الدفين، فخاف الحسين، وأبرق من الغد/ ٥/ ٣ برقية إلى رئيس الحزب الوطني الحجازي: يقول فيها أن الفوضى الذي ذكرتموها وقعت بداعي إشهاركم رغبة التنازل وأني لا أقبل أية مسؤولية تقع إذا لم تسرعوا اليوم، في تعيين من يتولى الأمر، لأتوجه في الحال إلى الجهة التي يختارها الباري على طريق جده، وهذا ليس هربا من أي شيء تتصورونه كلا، ثم قل كلا بل لئلا تتضاعف التصورات والظنون بنا.
ثم أنه توجه الملك علي ابن الحسين إلى مكة بعد المبايعة بيوم وبقي الحزب يفعل ما شاء من النقض والإبرام، واجتمع الملك الجديد بوالده بمكة، مرات على حساب الأمة واتفقا على وضع برنامج سيسيران عليه، غير أنه ما شيع والده ولا سار معه عند ذهابه.
ولما كان بعد أربعة أيام من قدوم علي وصلت القافلة الحاملة أمتعة الحسين إلى جدة، وفيها عشرون جملا تحمل اربعين صفحة من صفائح البترول مملوءة ذهبا، وقد قدرت على التحقيق بمائة وستين ألف ليرة، وأقام الحسين أياما في جدة، أبي أن يقابل أحدا من الناس، فأثمرت هذه العزلة بلاغا أرسله إلى فخامة رئيس وكلاء الحكومة العربية الهاشمية، وفيه يحتج على الحكومة الدستورية، ويعدد طغاوي ابن سعود، ومطامع الإمام يحيى صاحب اليمن.
وقال في بلاغه أما الحكومة الدستورية سيما في الحرمين الشريفين، فالعمل فيهما ينبذ أحكام كتاب الله وسنة رسوله، وأن العمل في البلاد المقدسة بالقوانين البشرية مما تأباه شعائر الإسلام وفرائض الدين والأخلاق الشريفة مادة ومعنى؛ ثم