لأصحابها فأربعة وعشرون يوما كان سير الموكب في الطريق، وكان يمشي سيرا وسراء من الثمان ساعات إلى الخمس عشرة ساعة كل يوم ويمشي حتى في البادية بنظام عسكري.
هذا ولم يكن في هذا الموكب ما يدل على الحرب ولا أثر للحرب من صفوف وغيرها سوى النظام، ما هو إلا رهط من الناس خرجوا للسياحة يحملون في حقائبهم الكتب يطالعونها في ساعات السفر من الكتب الدينية والتاريخية للمطالعة في الليل والنهار، إذا ما طال الليل ومل الحادي تكلم السلطان ينادي العجيري وقد يكون العجيري معتزلا الركب كما هي عادة رواية نجد فيكرر أحد الرجال كلمة السلطان، العجيري يا عجيري يقدم فبحث العجيري راحلته، وبعد أن يدنو من السلطان يسلم ويشرع في القراءة إذا ما سمعته تظنه يقرأ في كتاب وإنما يقرأ عن ظهر قلب لأنه لا يحمل كتابا بل كان يحفظ الأدب والشعر من كتاب الأغاني، والكامل والبيان والتبيين والكشكول، وكان له ذاكرة وخاطر سريع، وله أدب وصوت ونطق وطريقة في الإلقاء تدهش أكبر الممثلين.
ماذا يبغي الإمام فصلا في نوادر في مكارم الأخلاق، فصلا في الشجاعة والإقدام، في البر والتقوى، وإذا ما بدا في الرواية كان كالساحر يتمشى في حدائق الأدب والشعر والتاريخ، فينقلها بأزهارها ويطيب شذاها، فتنعش الركبان وتطرد النعاس من الأجفان، وفي ساعة الأدلاج بعد أن تمشي الحملة وأمامها العلم وإلى جانبه راكب يحمل قنديلا منيرا.
قال الراوي: نسمع الصوت ينادي العجيري فيدنوا الراوية من عظمة السلطان فيرتل طائفة من الذكر ترتيلا جميلا أنيقا تكاد تعد منه حروفه، ثم يؤذن المؤذن لصلاة الفجر وبعد الصلاة والقهوة يستأنف الموكب السير فينادي السلطان أين الشيخ؟ فيليه أحد العلماء ويشرع يتلو شيئًا من القرآن، ثم بعد الضحى يدعوه ثانية أو يدعو غيره من العلماء فيسلم هذا قياد راحلته إلى خادم يقودها ويتناول من حقيبته السيرة النبوية أو صحيح مسلم، أو تاريخ ابن الأثير، أو كتاب الترغيب والترهيب، فيقرأ ساعة أو ساعتين بصوت عال يسمعه المتقدمون في الموكب