والذي حمل الملك عليًا على هذا الغرور كأنه آنس من جواب ابن سعود للريحاني لينًا، فلما كان في ٢٥ من جمادى الأولى صباحًا قدم النجاب يحمل الأجوبة من السلطان فيها لفلبي الدعاء بالسفر الميمون بأمان الله وللأخ طالب أن مكة في حال من الاضطراب لا تجوز معها المخاطرة براحته وستصلكم وأنتم في مصر أخبارنا الطيبة إن شاء الله، وفيها للريحاني قد سمحت لصديقكم حسين العويني بالقدوم إلينا فزودوه بكل ما لديكم من الكتب والأفكار والأراء وإننا نرجوا أن يحسن نقل أفكار صديقنا أمين الريحاني وإني أشكرك على تجشمك المشاق الجسيمة في خدمة العرب وفي سبيل قضيتهم فسر ذلك جميع القادة والوزراء والملك عليًا والجند وإن كانوا لا يرغبون السلم واستبشروا فكتب الريحاني مع صديقه مذكرة خاصة من ضمنها بعض آرائه وقال في آخرها فإن كنت مصيبًا فمولاي وصديقي عبد العزيز لا يتبع غير الصواب وإن كنت مخطئًا فحبي وإخلاصي يشفعان بما قد يعد نقصًا في علمي أما إذا كان فيما قدمته مزيج من الخطأ والصواب فأنا أول من يرغب في التمحيص وإني أقبل الحقيقة من السوقة فكيف لا أقبلها من الملوك، أعلموني يا طويل العمر إذا كنت مخطئًا واسمحوا لي إذا كنت مصيبًا، وزود ذلك بخطاب من وجهاء المسلمين في بيروت.
ولما تجهز العويني أحرم وأشفقوا عليه من البرد خصوصًا إذ كان سفره بليل وأبى أن يذهب إلا محرمًا يقول لوجه الله وللقضية العربية وأعطى رفيقه الريحاني ساعة الوداع غلافًا مختومًا فقال إذا لم أرجع يا أمين فهذا الغلاف لأمي في بيروت فخيف عليه من الطوارق، وكان أديبًا عربيًا صريح الكلمة صادق اللهجة صلب العود، وودع الملك وركب بغلته يصحبه خادمه ورفيقاه، هذا ولم تكن الطريق آمنة فقد لقي في قهوة بحرة المهجورة حينما ألجأهم المبيت بها نصف الليل جثة أعرابي قد سال دمه على الأرض وفرغ منه فاستولى عليهم الذعر فقام ومن معه وأدلجوا مسرعين فوصلوا من الغد وقت الظهر إلى المخيم السلطاني بالشهداء، وكان قد نقل من الأبطح إلى الشهداء فاجتمع مع السلطان ورجع في ظرف ثلاثة أيام ذهابًا وإيابًا.