للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرجعون إلى مكة، وكانت الحكومة غير كارهة للهجرة لما فيها من التوفير للماء والزاد للجنود على أن تلك الحرب التي كان يتفرج أهل جدة عليها ثم صاروا يفرون إلى البلدان عنها ليست بشيء بالنسبة إلى ما بعدها من الموت الأحمر لأن جميع ما هم فيه مناوشات، لأن ما بين الأسلاك الشائكة وما بين سور جدة مسافة ثلث ساعة للأقدام.

ولما كان في اليوم الحادي عشر من شهر رجب دعا علي بن الحسين بالشيخ محمد نصيف واعتقل هو وأحد أعضاء الحزب وثلاثة آخرون هم سليمان عزابه، وسعيد باخشوين، وعبد الرحمن باجنيد، فأودعوا السجن ثلاثة أيام ثم أحضروا بين يدي علي فصدرت الإدارة أن ينفوا إلى العقبة فأخذوا في الساعة السادسة من ليلة ١٤ رجب ونفوا إلى العقبة، ولما وصلوا إلى الحسين ألقاهم في قبر لا منفذ فيه ولا نور ولا فراش فوجدوا من الضيق وضنك العيش ما لا يرضاه كل حر أبي وهذا لأجل تهمة في حق المذكور، وما كان قدر الشيخ محمد حسين نصيف أن يهان تلك الإهانة ويبالغ في التضييق عليه، ذلك بأنه رجل عظيم وعالم فاضل كثير الاطلاع واسع المعرفة وله مكتبة عظيمة في جدة ومن أكبر أغنياءها أيضًا، ولولا صلة علمية بينه وبين شيخ العروبة أحمد زكي باشا من أهل مصر فقام لما علم بالتضييق عليه وسعى نحو الأمير عبد الله في شرقي الأردن بهذه البرقية: "صاحب السمو الأمير عبد الله أرجو أن يتجلى حلم الرسول ويتجدد عفو المأمون بشخصكم المحبوب فتتوسطون لصديقي السيد محمد حسين نصيف فقد ساءني جدًا ما بلغني اليوم بنفيه من جدة إلى العقبة مع تضييق الخناق عليه والإساءة إليه من واليها فآمالي عظيمة فيمن أعظم فيها وهو سيدي الأمير بقبول شفاعتي وتنازله بالتوسل بوالد الجميع لإرساله لمصر بمنزلي وأنا أتعهد بامتناعه مطلقًا عما لا يرضيكم وأنتم تعرفون صدق إخلاصي لسموكم ولبيتكم الكريم" فأطلق الشيخ وأنقذه الله من شرهم وعاد إلى جدة برفقته في يوم الأربعاء ثامن رمضان، ولولا ما ذكر لكان أفظع من هذا، ولما قدم اعتذر إليه علي بن الحسين وذكر أن ذلك مقدر قد كتب عليه وقد ثبتت براءته أيضًا.