للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت هذه الزيارة البسيطة مدعاة للشك فيما كان يعتقده من عمل الشيطان في المخابرات ولكنه ظن أني ربما دبرت هذه المكيدة بإيعاز الملك، فزار الشيخ محطة التلغراف بضع مرات منفردًا في أوقات مختلفة بدون أن يخبر أحدًا بعزمه، فكان يفاجئ العامل بالزيارة ويسأله عن كل ما يغمض عليه، وقد أخبرني الشيخ ونحن في طريقنا إلى مكة بأنه يستغفر الله ويتوب إليه عما كان يعتقده ويتهم به بعض الناس، وربما كان يقصدني في هذا الأمر، ختمت الموضوع بقولي: ما قولكم يا حضرة الشيخ في رواية أولئك الثقات، أخشى أن تكون رواياتهم لكم عن أكثر المسائل العلمية كرواياتهم عن التلغراف، فقال حسي الله ونعم الوكيل.

وقد أخبرني جلالة الملك في شعبان ١٣٥١ هـ ديسمبر ١٩٣٢ م أثناء زيارتي للرياض أن المشايخ -أي رجال الدين- حضروا عنده سنة ١٣٣١ هـ لما علموا بعزمه إنشاء محطات لاسلكية في الرياض وبعض المدن الكبيرة في نجد فقالوا له:

يا طويل العمر: لقد غشك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله إلى بلادنا، وإن "فلبي" سيجر علينا المصائب، ونخشى أن يسلم بلادنا للإنكليز، فقال لهم الملك: لقد أخطاتم، فلم يغشنا أحد ولست ولله الحمد بضعيف العقل أو قصير النظر لأخدع بخداع المخادعين، وما فلبي إلا تاجر، وكان وسيطًا في هذه الصفقة، وإن بلادنا عزيزة علينا لا نسلمها لأحد إلا بالثمن الذي أسلمناها له.

إخواني المشايخ: أنتم فوق رأسي، تماسكوا بعضكم ببعض ولا تدعوني أهز رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم وأنتم تعلمون أن من وقف على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي مرةً ثانية.

مسألتان لا أسمع فيهما كلام أحد لظهور فائدتهما لي ولبلادي، وليس هناك من دليل في كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يمنع من إحداث اللاسلكي والسيارات، وعندما وضعت الآلة اللاسلكية في الرياض واستعملت كان الناس يغري بعضهم بعضًا بأن إنشاء هذه المحطة هو الحد بين الخير والشر، وكان العلماء يرسلون من يأتمنونهم لزيارة المحطة ورؤية الشياطين والذبائح التي تقدم لهم، فلم يجدوا شيئًا.