للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ * وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا مِثْلَ هَذَا سَوَاءً * وَبِجَبَلِ قَاسِيُونَ شَمَالِيَّ دِمَشْقَ مَغَارَةٌ يُقَالُ لَهَا مَغَارَةُ الدَّمِ مَشْهُورَةٌ بِأَنَّهَا الْمَكَانُ الَّذِي قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ عِنْدَهَا وَذَلِكَ مِمَّا تَلَقَّوْهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذلك (١) * وقد ذكر الحافظ بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ وَقَالَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ رَأَى النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمْرَ وهابيل، أنه اسْتَحْلَفَ هَابِيلَ أَنَّ هَذَا دَمُهُ فَحَلَفَ لَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْمَكَانَ يُسْتَجَابُ عِنْدَهُ الدُّعَاءُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمْرَ يَزُورُونَ هَذَا الْمَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ * وَهَذَا مَنَامٌ لَوْ صَحَّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ هَذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قال يا ويلتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سوأة أخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٢) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَهُ حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ سَنَةً وَقَالَ آخَرُونَ حَمَلَهُ مِائَةَ (٣) سَنَةٍ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ * قَالَ السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَخَوَيْنِ فَتَقَاتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمَّا قَتَلَهُ عَمَدَ إِلَى الأرض يحفر لَهُ فِيهَا ثُمَّ أَلْقَاهُ وَدَفَنَهُ وَوَارَاهُ فَلَمَّا رآه يصنع ذلك قال يا ويلتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سوأة أخي فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْغُرَابُ فَوَارَاهُ وَدَفَنَهُ.

وَذَكَرَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ أَنَّ آدَمَ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ هَابِيلَ حُزْنًا شَدِيدًا (٤) وَأَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ: تَغَيَّرَتِ اَلْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا * فَوَجْهُ اَلْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ تَغَيَّرَ كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح

(فأجيب آدم)


(١) في القرطبي ٦ / ١٣٩: قال ابن مسعود وابن عباس في ثور - جبل مكة - وقيل عند عقبة حراء - حكاه محمد بن جرير الطبري - وقال جعفر الصادق - رضي الله عنه - بالبصرة في موضع المسجد الاعظم.
ويقال قتله بأرض الهند.
ثم هرب إلى أرض عدن من اليمن وكان لهابيل يوم قتله قابيل عشرون سنة.
انظر تفسير الرازي ١١ / ٢٠٨.
(٢) سورة المائدة الآية ٣١.
(٣) في تفسير الكبير للرازي ١١ / ٢٠٩: حمله في جراب حتى تغير فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً.
وفي القرطبي عن مجاهد: مائة سنة.
وقيل حتى أروح (أنتن) .
(٤) ومكث بعده مائة سنة لم يضحك قط.
وحزنه على ابنه فأمر طبيعي أما قوله الشعر فكلام غير مسلم به.
ويقال أن آدم وحواء أتيا قبره وبكيا أياما عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>