للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إذا أصبحوا (١) قال: أنظروا في الغار، فاستبقه القوم حتى إذا كانوا من النبي قدر خمسين ذراعا، فإذا الحمامتان، فرجع (٢) فقالوا ما ردك أن تنظر في الغار؟ قال رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار، فعرفت أن ليس فيه أحد. فسمعها النبي فعرف أن الله قد درأ عنهما بهما، فسمت عليهما - أي برك عليهما وأحدرهما الله إلى الحرم فأفرخا كما ترى (٣). وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه. قد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث مسلم بن إبراهيم وغيره عن عون بن عمرو - وهو الملقب بعوين - بإسناده مثله. وفيه أن جميع حمام مكة من نسل تيك الحمامتين، وفي هذا الحديث أن القائف الذي اقتفى لهم الأثر سراقة بن مالك المدلجي وقد روى الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه أن الذي اقتفى لهم الأثر كرز بن علقمة.

قلت: ويحتمل أن يكونا جميعا اقتفيا الأثر والله أعلم. وقد قال الله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه (٤) وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) [التوبة: ٤٠] يقول تعالى مؤنبا لمن تخلف عن الجهاد مع الرسول: (إلا تنصروه) أنتم فان الله ناصره ومؤيده ومظفره كما نصره (إذ أخرجه الذين كفروا) من أهل مكة هاربا ليس معه غير صاحبه وصديقه أبي بكر ليس غيره ولهذا قال: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) أي وقد لجئا إلى الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام ليسكن الطلب عنهما، وذلك لان المشركين حين فقدوهما كما تقدم ذهبوا في طلبهما كل مذهب من سائر الجهات، وجعلوا لمن ردهما - أو أحدهما - مائة من الإبل، واقتصوا آثارهما حتى اختلط عليهم، وكان الذي يقتص الأثر لقريش سراقة بن مالك بن جعشم كما تقدم، فصعدوا الجبل الذي هما فيه وجعلوا يمرون على باب الغار، فتحاذي أرجلهم لباب الغار ولا يرونهما، حفظا من الله لهما. كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا همام أنا ثابت، عن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه. قال قلت للنبي ونحن في الغار. لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟ فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث همام به (٥). وقد ذكر بعض أهل السير أن أبا


(١) في الأصل: أصبحن وهو تحريف.
(٢) في الأصل: ترجع، وهو تحريف.
(٣) رواه أبو نعيم في دلائل النبوة والبيهقي في الدلائل ٢/ ٤٨٢ وابن سعد ١/ ٢٢٩ وكلهم عن أبي مصعب المكي.
(٤) قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه) أي على أبي بكر بتأمين النبي له فسكن جأشه وذهب روعه ٨/ ١٤٨.
(٥) أخرجه البخاري في ٦٢ كتاب فضائل الصحابة (٢) باب مناقب المهاجرين ح ٣٦٥٣ وأعاده في ٦٣ كتاب الأنصار باب (٤٥). وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير. تفسير سورة التوبة ح ٣٠٩٦ والإمام أحمد في مسنده ١/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>