للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَدِينَةَ.

وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طريق السدي فسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحابة.

قال الجمهور الأعظم: إنما صُرِفَتْ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ.

ثُمَّ حُكي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهَا حُوِّلَتْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ النِّصْفَ مِنْ شَعْبَانَ، وَفِي هَذَا التَّحْدِيدِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أورثوا الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عما تعملون) [البقرة: ١٤٤] .

وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنِ اعْتِرَاضِ سُفَهَاءِ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْجَهَلَةِ الطَّغَامِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَسْخٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا وَقَدْ أَحَالَ اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْقُرْآنِ تَقْرِيرَ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (مَا ننسخ من آية، أو ننسأها (١) نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ الله على كل شئ قدير) وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا - أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا - وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ إلى البيت، وإنه صلى أول صلاة صلاها إلى الكعبة الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهِ: (وَمَا كَانَ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ الله بالناس لرؤف رحيم) [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (٢) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ.

قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ - شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:

(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: ١٤٤] .

قَالَ فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ - وَهُمُ الْيَهُودُ - مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَاسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا - أو سبعة شهرا - وهذا (*) = استقبال الكعبة وكان يصلي بمكة ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ذلك.

وكان يؤثر أن يصرف إلى الكعبة فأمره الله أن يستقبل الكعبة.

(١) ننسأها: كذا في الاصل، وهي قراءة أبي عمرو، وصورتها في القرآن الكريم: ننسها.

(٢) أخرجه مسلم في (٥) كتاب المساجد ٢ باب ح ١١ و ١٣ والبخاري في ٨ كتاب الصلاة ٣١ باب التوجه نحو القبلة.

والحديث رواه الشافعي في الرسالة، وأخرجه مالك في الموطأ في ١٤ كتاب القبلة (٤) باب ما جاء في القبلة ح ٦ ص ١ / ١٩٥.

(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>