للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم، فقال علي: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه. ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. فهذه خصوصية للصديق حيث هو مع الرسول في العريش كما كان معه في الغار وأرضاه. ورسول الله يكثر الابتهال والتضرع والدعاء ويقول فيما يدعو به " اللهم إنك أن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض " وجعل يهتف بربه ﷿ ويقول: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك " ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه. وجعل أبو بكر يلتزمه من ورائه ويسوي عليه رداءه ويقول مشفقا عليه من كثرة الابتهال: يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.

هكذا حكى السهيلي عن قاسم بن ثابت أن الصديق إنما قال بعض مناشدتك ربك من باب الاشفاق لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال: بعض هذا يا رسول الله أي لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر، وكان رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله . وحكى السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي بأنه قال: كان رسول الله في مقام الخوف والصديق في مقام الرجاء وكان مقام الخوف في هذا الوقت - يعني أكمل - قال لان لله أن يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد في الأرض بعدها، فخوفه ذلك عبادة. قلت وأما قول بعض الصوفية إن هذا المقام في مقابلة ما كان يوم الغار فهو قول مردود على قائله إذ لم يتذكر هذا القائل عور ما قال ولا لازمه ولا ما يترتب عليه والله أعلم.

هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان وحضر الخصمان بين يدي الرحمن واستغاث بربه سيد الأنبياء وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء سامع الدعاء وكاشف البلاء فكان أول من قتل من المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي. قال ابن إسحاق: وكان رجلا شرسا سئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن (١) قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد - زعم - أن تبر يمينه (٢) واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض. قال الأموي: فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة وأراد أن يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعاذ ابنا الحارث وأمهما عفراء،


(١) أطن: أطار (شرح أبي ذر).
(٢) في الواقدي: زحف الأسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة، وشرب منه.
وقال موسى بن عقبة في روايته: فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض فهدم منه واتبعه حمزة حتى قتله (أنظر دلائل البيهقي ٣/ ١١٣ - مغازي الواقدي ١/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>