للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ " ثُمَّ الْتَفَتَ وَكَأَنَّ شِقَّ وَجْهِهِ الْقَمَرُ.

وَقَالَ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً " (١) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَقَالَ لَمَّا الْتَقَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْتُ مُنَاشِدًا يَنْشُدُ حَقًّا لَهُ أَشَدَّ مُنَاشَدَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكره.

وقد ثبت إخباره عليه السلام بمواضع مصارع رؤوس الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا تقدَّم، وَسَيَأْتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَمُقْتَضَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَعُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قبل بِيَوْمٍ وَأَكْثَرَ، وَأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ يَوْمَ الْوَقْعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (٢) : مِنْ طُرُقٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: " اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، الله إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا " فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) [القمر: ٤٥ - ٤٦] وهذه الآية مكية وقد جاء تصديقها يوم بدر كما رواه ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيوب عن عكرمة قال لما نزلت: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قَالَ عُمَرُ: أَيُّ جَمْعٍ يُهْزَمُ وَأَيُّ جَمْعٍ يُغْلَبُ؟ قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) فَعَرَفْتُ تَأْوِيلَهَا يومئذٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَانَ سَمِعَ عائشة تقول نزل على محمد بِمَكَّةَ - وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ - (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ النَّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدُ " وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ

فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ، وَقَدْ خَفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [خَفْقَةً] (٣) وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ: " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ، هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ " يَعْنِي الْغُبَارَ.

قَالَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ فَحَرَّضَهُمْ.

وَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجنَّة " قال عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنَّ: بخٍ بخٍ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هؤلاء؟


(١) رواه البيهقي في الدلائل ٣ / ٥٠ ومسلم مطولا في ٣٢ كتاب الجهاد (١٨) باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر ح ٥٨ وأحمد في مسنده ١ / ٣٠ - ٣٢.
(٢) في ٦٥ كتاب التَّفسير - تفسير سورة القمر (٥) باب قوله: (سيهزم الجمع) ح ٤٨٧٥ فتح الباري ٨ / ٦١٩ وأخرجه في كتاب الجهاد.
باب: ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلَّم.
وفي كتاب المغازي باب: إذ تستغيثون ربكم.
(٣) من ابن إسحاق، وخفق: نام نوما سريعا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>