للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما جمع المشركين فأحسن ما يقال فيهم إنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف وقد نص عروة وقتادة أنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا. وقال الواقدي كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا وهذا التحديد يحتاج إلى دليل وقد تقدم في بعض الأحاديث أنهم كانوا أزيد من ألف فلعله عدد أتباعهم معهم والله أعلم. وقد تقدم الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنه قتل منهم سبعون وأسر سبعون وهذا قول الجمهور، ولهذا قال كعب بن مالك في قصيدة له:

فأقام بالعطن المعطن منهم … سبعون عتبة منهم والأسود (١)

وقد حكى الواقدي الاجماع على ذلك وفيما قاله نظر، فإن موسى بن عقبة وعروة بن الزبير قالا خلاف ذلك (٢) وهما من أئمة هذا الشأن فلا يمكن حكاية الاتفاق بدون قولهما وإن كان قولهما مرجوحا بالنسبة إلى الحديث الصحيح والله أعلم. وقد سرد أسماء القتلى والأسارى ابن إسحاق وغيره وحرر ذلك الحافظ الضياء في أحكامه جيدا وقد تقدم في غضون سياقات القصة ذكر أول من قتل منهم وهو الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وأول من فر وهو خالد بن الأعلم الخزاعي - أو العقيلي - حليف بني مخزوم وما أفاده ذلك فإنه أسر وهو القائل في شعره:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا … ولكن على أقدامنا يقطر الدم

فما صدق في ذلك، وأول من أسروا عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلا صبرا بين يدي رسول الله من بين الأسارى، وقد اختلف في أيهما قتل أولا على قولين وأنه أطلق جماعة من الأسارى مجانا بلا فداء منهم أبو العاص بن الربيع الأموي، والمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي، وصيفي بن أبي رفاعة كما تقدم، وأبو عزة الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي كما تقدم، وفادى بقيتهم حتى عمه العباس أخذ منه أكثر مما أخذ من سائر الاسرى لئلا يحابيه لكونه عمه مع أنه قد سأله الذين أسروه من الأنصار أن يتركوا له فداءه فأبى عليهم ذلك، وقال لا تتركوا منه درهما، وقد كان فداؤهم متفاوتا فأقل ما أخذ أربعمائة، ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب. قال موسى بن عقبة وأخذ من العباس مائة أوقية من ذهب، ومنهم من استؤجر على عمل بمقدار فدائه كما قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عاصم قال: قال داود: ثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الاسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال فجاء غلام يوما يبكي إلى أمه فقالت


(١) العطن: معناه مبرك الإبل حول الماء، واستعاره هنا لقتلى المشركين يوم بدر وعتبة بن ربيعة، والأسود بن عبد الأسد المخزومي.
(٢) قال ابن عقبة وعروة: قتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا وأسر منهم تسعة وثلاثون رجلا. (الدرر في اختصار المغازي والسير ص ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>