للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليف قد حمل عليه وحف به قومه فقالوا: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، قالت: ولا يرجع إليهم شيئا، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قالت: قال أبو سعيد: فلما طلع قال رسول الله قوموا إلى سيدكم فأنزلوه قال عمر: سيدنا الله، قال: أنزلوه، فأنزلوه. قال رسول الله : أحكم فيهم، فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فقال رسول الله : لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ثم دعا سعد فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا، فأبقني لها وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك قالت: فانفجر كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله قالت عائشة: فحضره رسول الله وأبو بكر وعمر قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لا عرف بكاء عمر، من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله (رحماء بينهم) قال علقمة: فقلت يا أمة فكيف كان رسول الله يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته. وهذا الحديث إسناده جيد وله شواهد من وجوه كثيرة، وفيه التصريح بدعاء سعد مرتين مرة قبل حكمه في بني قريظة ومرة بعد ذلك كما قلناه أولا ولله الحمد والمنة وسنذكر كيفية وفاته ودفنه وفضله في ذلك وأرضاه بعد فراغنا من القصة. قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار قلت: هي نسيبة (١) ابنة الحارث بن كرز بن حبيب بن عبد شمس وكانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز، ثم خرج إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فخرج بهم إليه أرسالا، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد، رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة. والمكثر لهم يقول: كانوا ما بين الثمانمائة والتسعمائة. قلت: وقد تقدم فيما رواه الليث عن أبي الزبير عن جابر: أنهم كانوا أربعمائة فالله أعلم. قال ابن إسحاق: وقد قالوا لكعب بن أسد، وهم يذهب بهم إلى رسول الله أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع، ومن ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل. فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم وأتي بحيي بن أخطب وعليه حلة له فقاحية (٢) قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر إلى


(١) قال السهيلي: اسمها كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس. (الروض: ٢/ ١٩٨) زينب بنت الحارث. في رواية ابن بكير عن ابن إسحاق. وقال الزرقاني: هي رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد (شرح المواهب اللدنية ٢/ ١٦٤).
قال الواقدي: أمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار رملة ابنة الحارث (٢/ ٥١٢).
(٢) فقاحية: قال ابن هشام: ضرب من الوشي. وفي الواقدي: حلة شقحية: اي حمراء (عن النهاية).

<<  <  ج: ص:  >  >>