للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حربا، فقام من عند رسول الله وقد رأى ما يصنع به أصحابه. لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شئ إلا أخذوه، فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في إصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشئ أبدا فروا رأيكم. قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن رسول الله دعا خراش بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله وأرادوا قتله (١)، فمنعه الأحابيش، فخلوا سبيله، حتى أتى رسول الله . قال ابن إسحاق: وحدثني بعض من لا اتهم عن عكرمة عن ابن عباس: أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين أمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا فأتي بهم رسول الله ، فعفا عنهم، وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله بالحجارة والنبل. ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان، فدعا رسول الله عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين بلغ رسالة رسول الله ، إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. قال: ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله . واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم. ودعا رسول الله إلى البيعة، وكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله على الموت، وكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر فبايع رسول الله الناس ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة. وكان جابر بن عبد الله يقول والله لكأني أنظر إليه لاصقا بأبط ناقته قد ضبأ إليها، يستر من الناس. ثم أتى رسول الله أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل. قال ابن هشام: وذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي: أن أول من بايع رسول الله بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي (٢). قال ابن هشام: وحدثني من


(١) قال الواقدي: الذي ولي عقره عكرمة بن أبي جهل وأراد قتله.
(٢) اختلفوا في اسم أبي سنان، قيل وهب بن عبد الله وقيل عامر، وقيل عبد الله بن وهب وقيل اسمه وهب بن محصن بن حرثان أخو عكاشة بن محصن، ولعل القول الأخير أصحها. مات سنة خمس من الهجرة (الاستيعاب) وقال الواقدي: أول من بايعه سنان بن أبي سنان بن محصن. وقال ابن سعد عن الواقدي: أبو سنان قتل في حصار بني قريظة قبل الحديبية، وعنه: الذي بايع الحديبية سنان بن سنان الأسدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>