للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ ولم يذكر الشعر، وقد استدل من جواز قَتْلَ الْحَيَوَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْعَدُوُّ كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَغْنَامِ إِذَا لَمْ تَتْبَعْ فِي السَّيْرِ، وَيُخْشَى مِنْ لُحُوقِ العدو وَانْتِفَاعِهِمْ بِهَا أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُحَرَّقُ لِيُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى جَعْفَرٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ إلا إذا أمن أَخْذُ الْعَدُوِّ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ عَبَثًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ العلم: أن جعفر أَخَذَ اللِّوَاءِ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشَمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الجنة يطير بهما حيث يشاء، وَيُقَالُ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ

ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً، فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بعض التردد ويقول: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ * لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ إن أجلب الناس وشدوا الرنة * مالي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ * هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ.

وَقَالَ أَيْضًا: يَا نَفْسُ إِنْ لَا تُقْتَلِي تَمُوتِي * هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ * إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ.

فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحَمَ فَقَالَ: شُدَّ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ فَانْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً.

ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ (١) فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ " أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ.

فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ.

قَالُوا: أَنْتَ.

قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الراية دافع القوم وخاشى (٢) بِهِمْ ثُمَّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتَّى انْصَرَفَ بالنَّاس.

قال ابن إسحق: وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَخَذَ الرَّايَةَ زيد ابن حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، قال: ثم


(١) الحطمة: زحام الناس، أراد هنا التحام الناس في النزال والقتال.
(٢) خاشى: من المخاشاة: وهي المحاجزة وهي مفاعلة من الخشية، يعني خشي على المسلمين لقلة عددهم.
وفي رواية: حاشى بهم: يعني انحاز بهم إلى ناحية.
(راجع الروض الانف) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>