للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْتِ قُرَيْشٍ، قَالَ: كَيْفَ عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ؟ قَالَ لم يغب (١) له رأي قَطُّ.

قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ حَلَّافًا كَذَّابًا مُخَادِعًا فِي أَمْرِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ، قَالَ: لَعَلَّهُ يَطْلُبُ مُلْكًا أَوْ شَرَفًا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَبْلَهُ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْكُمْ هَلْ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ مُدَّتَهُ هَذِهِ.

فَقَالَ هِرَقْلُ: وَمَا تَخَافُ مِنْ مُدَّتِهِ هَذِهِ؟ قَالَ إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ هِرَقْلُ: إِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ، فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ لَمْ يَغْلِبْنَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غَائِبٌ وَهُوَ يَوْمُ

بَدْرٍ، ثُمَّ غَزَوْتُهُ مرتين في بيوتهم نبقر البطون ونجذع الآذان والفروج، فقال هرقل: كذاباً تَرَاهُ أَمْ صَادِقًا؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ فَلَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لِذَلِكَ الْيَهُودُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ (٢) .

فَفِي هَذَا السِّيَاقِ غَرَابَةٌ وَفِيهِ فَوَائِدُ لَيْسَتْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَلَا الْبُخَارِيِّ.

وَقَدْ أَوْرَدَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ (٣) : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا سَلَمَةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قال: أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى صغاطر الْأُسْقُفِّ فَاذْكُرْ لَهُ أَمْرَ صَاحِبِكُمْ فَهُوَ وَاللَّهِ في الروم أعظم مني وأجود قَوْلًا عِنْدَهُمْ مِنِّي، فَانْظُرْ مَاذَا يَقُولُ لَكَ؟ قال فجاء دِحْيَةُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ وبما يدعو إليه، فقال صغاطر والله صاحبك نَبِيٌّ مُرْسَلٌ نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا بِاسْمِهِ، ثُمَّ دَخَلَ وَأَلْقَى ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ سودا وليس ثِيَابًا بَيَاضًا ثُمَّ أَخَذَ عَصَاهُ فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ فِي الْكَنِيسَةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنَّهُ قَدْ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنْ أَحْمَدَ يَدْعُونَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ أَحْمَدَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ.

قَالَ: فلمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ أنا نخافهم على أنفسنا، فصغاطر وَاللَّهِ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ وَأَجْوَزَ قَوْلًا مِنِّي.

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ بِكِتَابٍ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنُوا لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ قَيْصَرُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَلَى الْبَابِ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ فَفَزِعُوا لِذَلِكَ وَقَالَ: أَدْخِلْهُ، فَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ، فَنَخَرَ ابْنُ أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبِطٌ فَقَالَ لَا تَقْرَأِ الْكِتَابَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَكَتَبَ صَاحِبَ الرُّومِ وَلَمْ يَكْتُبْ مَلِكَ الرُّومِ، قَالَ فقُرئ الْكِتَابُ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ثم بعث إلى


(١) في البيهقي: لم نعب له عقلا قط ولا رأيا قط.
(٢) نقله البيهقي عن عروة في الدلائل ج ٤ / ٣٨٤، ونقل رواية موسى بن عقبة من طريق ابن أبي أويس.
(*) (٣) تاريخ الطبري ٣ / ٨٧ - ٨٨.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>