للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأحاديث والآثار دالة على أن الهجرة إما الكاملة أو مطلقا قد انقطعت بعد فتح مكة لان الناس دخلوا في دين الله أفواجا وظهر الاسلام، وثبتت أركانه ودعائمه فلم تبق هجرة، اللهم إلا أن يعرض حال يقتضي الهجرة بسبب مجاورة أهل الحرب وعدم القدرة على إظهار الدين عندهم فتجب الهجرة إلى دار الاسلام، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء ولكن هذه الهجرة ليست كالهجرة قبل الفتح، كما أن كلا من الجهاد والانفاق في سبيل الله مشروع ورغب فيه إلى يوم القيامة وليس كالانفاق ولا الجهاد قبل الفتح فتح مكة. قال الله تعالى (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) الآية [سورة الحديد: ١٠] وقد قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي عن (١) أبي سعيد الخدري عن رسول الله أنه قال لما نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح " قرأها رسول الله حتى ختمها وقال: " الناس خير وأنا وأصحابي خير " وقال " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فقال له مروان كذبت، وعنده: رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير، فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك. قالا: صدق. تفرد به أحمد. وقال البخاري: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنه أدخلني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال ما تقولون في قول الله ﷿ (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا بن عباس؟ فقلت لا، فقال ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله أعلمه له قال (إذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما يقول (٢). تفرد به البخاري وهكذا روي من غير وجه عن ابن عباس أنه فسر ذلك بنعي رسول الله في أجله. وبه قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد كما قال ابن عباس وعمر بن الخطاب . فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن فضيل، ثنا عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما: نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله " نعيت إلي نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة. تفرد به الإمام أحمد


(١) هكذا سياق الحديث في نسخة دار الكتب والتيمورية، أقول: أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد والحديث نقله البيهقي بهذا الاسناد في الدلائل ج ٥/ ١٠٩.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤) باب الحديث ٤٩٧٠ فتح الباري (٨/ ٧٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>