للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما سمع على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه. قال " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه " (١) قال ثم كتب بجير إلى كعب يقول له:

من مبلغ كعبا فهل لك في التي … تلوم عليا باطلا وهي أحزم

إلى الله لا العزى ولا اللات وحده … فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت … من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير وهو لا شئ دينه … ودين أبي سلمى علي محرم

قال فلما بلغ كعب الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه وقالوا هو مقتول، فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكر لي فغدا به إلى رسول الله في صلاة الصبح فصلى مع رسول الله ثم أشار له إلى رسول الله فقال هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه، فذكر لي: أنه قام إلى رسول الله فجلس إليه ووضع يده في يده، وكان رسول الله لا يعرفه فقال: يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ فقال رسول الله " نعم " فقال إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه وثب عليه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، دعني وعدو الله أضرب عنقه؟ فقال رسول الله " دعه عنك فإنه جاء تائبا نازعا " قال: فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول … متيم عندها (٢) لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا … إلا أغن غضيض الطرف مكحول (٣)

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة … لا يشتكي قصر منها ولا طول (٤)

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت … كأنه مهل بالراح معلول (٥)

شجت بذي شيم من ماء محنية … صاف بأبطح أضحى وهو مشمول (٦)


(١) زاد الزرقاني عن ابن الأنباري أن النبي لما بلغه الأبيات أهدر دمه وقال: من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله.
(٢) في ابن هشام والعقد الفريد: أثرها. ومتبول: اسقمه الحب وأضناه لبعده عن حبيبته سعاد. قال الزرقاني: هي امرأته وبنت عمه.
(٣) أغن: الظبي الصغير الذي في صوته غنة.
(٤) سقط البيت من الأصل، واستدرك من ابن هشام والعقد الفريد.
(٥) عوارض: جمع عارض أو عارضة وهي الأسنان. والظلم: ماء الأسنان ورقتها وبياضها.
(٦) مشمول: الذي ضربته ريح الشمال حتى برد، وهي أشد تبريدا للماء من غيرها

<<  <  ج: ص:  >  >>