للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكيدر بن عبد الملك، رجل من بني كنانة (١) كان ملكا عليها وكان نصرانيا، وقال رسول الله لخالد " إنك ستجده يصيد البقر " فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته (٢). وباتت البقر تحك بقرونها باب القصر، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله، قالت: فمن يترك هذا؟ قال: لا أحد فنزل فأمر بفرسه، فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخ له يقال له حسان، فركب وخرجوا معه بمطاردهم (٣). فلما خرجوا تلقتهم خيل النبي فأخذته وقتلوا أخاه وكان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد فبعث به (٤) إلى رسول الله قبل قدومه عليه، قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس بن مالك قال: رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله : " أتعجبون من هذا [فوالذي نفسي بيده] (٥) لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ".

قال ابن إسحاق: ثم إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله حقن له دمه فصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته (٦)، فقال رجل من بني طئ يقال له بجير بن بجرة في ذلك:

تبارك سائق البقرات إني … رأيت الله يهدي كل هاد

فمن يك حائدا عن ذي تبوك … فإنا قد أمرنا بالجهاد

وقد حكى البيهقي أن رسول الله قال لهذا الشاعر " لا يفضض الله فاك " فأتت عليه سبعون (٧) سنة ما تحرك له فيها ضرس ولا سن. وقد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة أن رسول الله بعث خالدا مرجعه من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة فذكر نحو ما


(١) في ابن هشام: رجل من كندة، قال الواقدي وهو ابن عبد الملك بن عبد الجن.
(٢) اسمها الرباب بنت أنيف بن عامر من كندة (قاله الواقدي).
(٣) المطارد: جمع المطرد، وزن منبر، وهو رمح قصير يطرد به، وقيل يطرد به الوحش (اللسان).
(٤) بعثه مع عمرو بن أمية الضمري.
(٥) من ابن هشام ومغازي الواقدي.
(٦) قال الواقدي وابن سعد وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله كتابا فيه أمانهم وما صالحهم وختمه يومئذ بظفره ونصفه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الاسلام وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد بن الوليد سيف الله، في دومة الجندل وأكنافها. وان لنا الضاحية من الضحل، والبور، والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة، والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم عشر البتات تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة لحقها. عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر معه من المسلمين. ".
(٧) في دلائل البيهقي ج ٥/ ٢٥١: تسعون سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>