للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت. قال: قلت والله إن هذا الرأي قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه. فقال: من الرجل؟ فقلت عدي بن حاتم، فقام رسول الله ، وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال: قلت في نفسي والله ما هذا بملك. قال: ثم مضى بي رسول الله حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال " اجلس على هذه " قال قلت: بل أنت فاجلس عليها. قال " بل أنت " فجلست وجلس رسول الله بالأرض، قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال " إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا (١) " قال قلت: بلى! قال: " أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع " قال: قلت: بلى! قال " فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك " قال قلت: أجل! والله. قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال " لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ". قال: فأسلمت، قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى هذا البيت، وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه (٢). هكذا أورد ابن إسحاق هذا السياق بلا اسناد وله شواهد من وجوه أخر. فقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت سماك بن حرب، سمعت عباد بن حبيش، يحدث عن عدي بن حاتم. قال: جاءت خيل رسول الله وأنا بعقرب (٣) فأخذوا عمتي وناسا فلما أتوا بهم رسول الله قال فصفوا له. قالت: يا رسول الله بان الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك. فقال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الذي فر من الله ورسوله؟ قالت: فمن علي فلما رجع ورجل إلى جنبه - ترى أنه علي - قال سليه حملانا، قال فسألته فأمر لها عدي: فأتتني فقالت لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها وقالت إيته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال: فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، فذكر قربهم منه، فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر. فقال


(١) الركوسي: من الركوسية وهم قوم دينهم بين دين النصارى والصابئين.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤/ ٢٢٥ - ٢٢٧.
(٣) عقرب هكذا بالأصل، ولعل الصواب عقرباء، وهي اسم مدينة الجولان وهي كورة بدمشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>