إنْ يغبِطُوا يهبِطُوا وإن أمِروا * يوماً فهم للهلاكِ والنفدِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ لَبِيدٍ أَشْعَارًا كَثِيرَةً فِي رِثَاءِ أَخِيهِ لِأُمِّهِ أَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدْنَاهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابن عبَّاس قال فأنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ * (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شئ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يده وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) * [الرعد: ٨] يَعْنِي محمَّداً صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَقَتْلَهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ ومالهم مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وطعما وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا
مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) * [سورة الرَّعْدِ: ١١] .
قُلْتُ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا إِسْنَادُ مَا عَلَّقَهُ ابْنُ هِشَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ، حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَرْبَدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ وعامر بن الطفيل بن مالك قا؟ ؟ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ: فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ ".
قَالَ عَامِرٌ: أَتَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ إِنْ أَسْلَمْتُ مِنْ بَعْدِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَا لِقَوْمِكَ وَلَكِنْ لَكَ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ ".
قَالَ: أَنَا الْآنَ فِي أَعِنَّةِ خَيْلِ نَجْدٍ، اجْعَلْ لِي الْوَبَرَ وَلَكَ الْمَدَرَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " لا " فلما قفل (١) مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَامِرٌ أَمَا وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " يَمْنَعُكَ اللَّهُ " فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ قَالَ عَامِرٌ: يَا أَرْبَدُ أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ مُحَمَّدًا بِالْحَدِيثِ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ فإنَّ النَّاس إِذَا قَتَلْتَ مُحَمَّدًا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَرْضُوا بالدِّية، وَيَكْرَهُوا الْحَرْبَ فَسَنُعْطِيهِمُ الدِّية، قَالَ أَرْبَدُ أَفْعَلُ.
فَأَقْبَلَا رَاجِعَيْنِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ قُمْ مَعِي أُكَلِّمْكَ فَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَخَلَّيَا إِلَى الْجِدَارِ، وَوَقَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ، وسلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى السَّيْفِ يَبِسَتْ يده على قائم السيف، فلم يستطيع سلَّ السَّيْفِ، فَأَبْطَأَ أَرْبَدُ عَلَى عَامِرٍ بِالضَّرْبِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى أَرْبَدَ وَمَا يَصْنَعُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْحَرَّةِ، حَرَّةِ وَاقِمٍ نَزَلَا فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَا: اشْخَصَا يا عدوا اللَّهِ لَعَنَكَمَا اللَّهُ، فَقَالَ عَامِرٌ مَنْ هَذَا
(١) من سيرة ابن كثير، وفي الاصل: قفا (*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute