للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقيم) [الانعام: ٨٤ - ٨٧] فالضمير في قوله وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَائِدٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَلُوطٌ وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَخِيهِ إِلَّا أَنَّهُ دَخَلَ فِي الذُّرِّيَّةِ تَغْلِيبًا.

وَهَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَلَى نُوحٍ كَمَا قَدَّمْنَا فِي قِصَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) [الحديد: ٢٦] الْآيَةَ.

فَكُلُّ كِتَابٍ أُنْزِلَ مِنَ السَّماء عَلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ.

وَهَذِهِ خِلْعَةٌ سَنِيَّةٌ لَا تُضَاهَى وَمَرْتَبَةٌ عَلِيَّةٌ لَا تُبَاهَى.

وَذَلِكَ أنَّه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان اسمعيل من هاجر ثم إسحق مِنْ سَارَةَ وَوُلِدَ لِهَذَا يَعْقُوبُ وَهُوَ إِسْرَائِيلُ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ سَائِرُ أَسْبَاطِهِمْ فَكَانَتْ فِيهِمُ النُّبُوَّةُ وَكَثُرُوا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا الَّذِي بَعَثَهُمْ وَاخْتَصَّهُمْ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ حَتَّى خُتِمُوا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وأما اسمعيل عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَتْ مِنْهُ الْعَرَبُ عَلَى اخْتِلَافِ قَبَائِلِهَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ سُلَالَتِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى خَاتَمِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَسَيِّدِهِمْ وَفَخْرِ بَنِي آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ الْمَكِّيِّ ثُمَّ الْمَدَنِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الشَّرِيفِ وَالْغُصْنِ الْمُنِيفِ سِوَى هَذِهِ الْجَوْهَرَةِ الْبَاهِرَةِ وَالدُّرَّةِ الزَّاهِرَةِ وَوَاسِطَةِ الْعِقْدِ الْفَاخِرَةِ وَهُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْجَمْعِ وَيَغْبِطُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا سَنُورِدُهُ أَنَّهُ قَالَ: " سَأَقُومُ مَقَامًا يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كلَّهم حَتَّى إِبْرَاهِيمُ " (١) فَمَدَحَ إِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ مِدْحَةً عَظِيمَةً فِي هَذَا السِّيَاقِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أنَّه أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ بَعْدَهُ عِنْدَ الْخَلَّاقِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنيا وَيَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدَّثنا جَرِيرٌ عن مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ

جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ويقول: " إن أباكما كان يعوذ بهما اسمعيل وإسحق.

أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ.

مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ ".

وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ (١) مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ بِهِ وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أو لم تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ على كل جبل منهن جزأ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً.

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: ٢٦٠] ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَسْبَابًا بَسَطْنَاهَا فِي التَّفْسِيرِ (٢) .

وَقَرَّرْنَاهَا بِأَتَمِّ تَقْرِيرٍ * وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمِدَ إِلَى أَرْبَعَةٍ من الطيور واختلفوا في تعينها على أقوال (٣) والمقصود


(١) رواه البخاري في صحيحه ٦٠ / ٣٣٧١١٠ فتح الباري ; وفي كتاب خلق أفعال العباد بروايات متعددة ; وأحمد في مسنده (٢ / ١٨١ - ٢٩٠ - ٣٧٥، ٥ / ٤٣٠، ٦ / ٦) ورواه الترمذي وأبو داود والدارمي ومالك في الموطأ.
(٢) راجع تفسير ابن كثير الجزء الاول.
تفسير سورة البقرة.
(٣) قال ابن إسحاق هي: الديك والطاووس والحمام والغراب وقال ابن عبَّاس: الكركي والنسر بدل الحمام والغراب.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>