للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثماني عشرة أو تسع عشرة، وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب، ويقال وأبو بكر الصديق وهو ضعيف. لان رسول الله نصبه للإمامة، فلما توفي وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه، استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الإقامة عنده ليستضئ برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله ، فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد، وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكر راجعا سالما مؤيدا كما سيأتي. فلهذا كان عمر بن الخطاب لا يلقى أسامة إلا قال له: السلام عليك أيها الأمير. ولما عقد له رسول الله راية الامرة طعن بعض الناس في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للامارة، وإن كان لمن أحب الخلق إلي بعده " (١) وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه. وثبت في صحيح البخاري: عن أسامة أنه قال: كان رسول الله يأخذني والحسن فيقول " اللهم إني أحبهما فأحبهما " (٢) وروي عن الشعبي عن عائشة سمعت رسول الله يقول " من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد " ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف. وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف. فقيل له في ذلك فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك. وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عروة عن أسامة: أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة، قبل وقعة بدر.

قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع وقد ذكر غير واحد أنه لم يشهد مع علي شيئا من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله حين قتل ذلك الرجل وقد قال لا إله إلا الله، فقال " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة " الحديث. وذكر فضائله كثيرة . وقد كان أسود كالليل، أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا، . وكان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه. ولما مر مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما، أسامة بسواده وأبوه زيد ببياضه قال: سبحان الله إن بعض هذه الاقدام لمن بعض، أعجب بذلك رسول الله . ودخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال " ألم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن


(١) فتح الباري ٧/ ٨٦ حديث رقم ٣٧٣٠.
(٢) فتح الباري ٧/ ٨٨ حديث رقم ٣٧٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>