للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ خَطَأٌ مَأْخُوذٌ مِنْ أهل الكتاب وقد تصحف عليهم كما أخطأوا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا اثْنَيْنِ وَإِنَّهُمْ تَعَشَّوْا عِنْدَهُ وَقَدْ خَبَّطَ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَخْبِيطًا عَظِيمًا وَقَوْلُهُ (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) [هود: ٧٨] نَهْيٌ لَهُمْ عَنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيقُ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَشَهَادَةٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ مُسْكَةٌ وَلَا فِيهِ خَيْرٌ بَلِ الْجَمِيعُ سُفَهَاءُ.

فَجَرَةٌ أَقْوِيَاءُ.

كَفَرَةٌ أغبياء.

وَكَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَرَادَ الْمَلَائِكَةُ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ.

فَقَالَ قَوْمُهُ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ الْحَمِيدِ الْمَجِيدِ.

مُجِيبِينَ لِنَبِيِّهِمْ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الأمر السديد (لقد علمت مالنا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا تريد) [هود: ٧٩] يَقُولُونَ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ يالوط إِنَّهُ لَا أَرَبَ لَنَا فِي نِسَائِنَا وَإِنَّكَ لتعلم مرادنا وغرضنا [من غير النساء] (١) .

وَاجَهُوا بِهَذَا الْكَلَامِ الْقَبِيحِ رَسُولَهُمُ الْكَرِيمَ وَلَمْ يَخَافُوا سَطْوَةَ الْعَظِيمِ.

ذِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (لَوْ أنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود: ٨٠] وَدَّ أَنْ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ قُوَّةٌ أَوْ لَهُ مَنَعَةٌ وَعَشِيرَةٌ يَنْصُرُونَهُ عَلَيْهِمْ لِيُحِلَّ بِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى هَذَا الخطَّاب.

وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ " (٢) وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (يَعْنِي اللَّهَ عزوجل - فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ " (٣) .

وَقَالَ تَعَالَى

(وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ.

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ.

قَالُوا أو لم نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ.

قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) [الحجر: ٦٧ - ٧١] فَأَمَرَهُمْ بِقُرْبَانِ نِسَائِهِمْ وَحَذَّرَهُمُ الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم هَذَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا يَنْتَهُونَ وَلَا يرعوون بل كلما لهم (٤) يُبَالِغُونَ فِي تَحْصِيلِ هَؤُلَاءِ الضِّيفَانِ وَيَحْرِصُونَ.

وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا حمَّ بِهِ الْقَدَرُ مِمَّا هُمْ إليه صائرون.

وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُقْسِمًا بِحَيَاةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: ٧٢] وَقَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ.

وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أعينهم فذقوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) [القمر - ٣٦ - ٣٨] ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ لوطاً عليه السلام جعل


(١) سقطت من النسخ المطبوعة.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٦٠ كتاب المناقب باب ١١ ح ٣٣٧٢ فتح الباري وروى ابن ماجه نحوه ورواه أحمد في مسنده ٢ / ٣٢٦ - ٣٣٢ - ٣٥٠.
(٣) انظر الدر المنثور ج ٢ / ١٨٥.
(٤) هكذا في الأصول وفي نسخة من قصص الأنبياء لابن كثير: كلما نهاهم.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>