للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبَرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ: تَمْرٌ أدَّخره، قَالَ وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، أَوَ ما تخاف أن تكون لَهُ بُخَارٌ فِي النَّار! أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا (١) .

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السَّجستانيّ وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازيّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبيع بْنِ نافع، حدَّثني معاوية بن سلام عن يزيد (٢) بْنِ سَلَامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْهَوَزْنِيُّ (٣) قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِحَلَبَ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ حدِّثني كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ما كان له شئ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ فَرَآهُ عَارِيًا (٤) ، يَأْمُرُنِي فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشئ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إنَّ عِنْدِي سِعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ توضَّأت، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بالصَّلاة فَإِذَا

الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فلمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ، قَالَ: قُلْتُ يَا لَبَّيْهُ، فَتَجَهَّمَنِي، وَقَالَ قَوْلًا عَظِيمًا أَوْ غَلِيظًا، وَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهر؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ، قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ وَلَا مِنْ كرامة صاحبك، وإنما أعطيتك لتصير لي عبداً فأذرك ترعى في الغنم كما كنت قبل ذلك، قال فأخذني فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاس، فانطلقت فناديت بالصَّلاة، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا يَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أن آتي إلى بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَا يَقْضِي عَنِّي، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي فجعلت سيفي وحرابي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، فَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الْأُفُقَ.

فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عليَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبح الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ أن أنطلق فإذا إنسان يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فانطلقت حتى آتيه، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت رسول الله فاستأذنت، فقال لي رسول الله: أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَاءِ دَيْنِكَ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟.

قَالَ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ لَكَ رقابهنَّ وَمَا عليهنَّ - فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ فَدَكَ - فاقبضهنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اقْضِ دَيْنَكَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَحَطَطْتُ عنهنَّ أحمالهنَّ، ثم علفتهن (٥)


(١) دلائل البيهقي ج ١ / ٣٤٧.
(٢) من دلائل البيهقي ١ / ٣٤٨.
(٣) من الدلائل، وفي الاصل الهوريني، والهوزني أبو عامر واسمه عبد الله بن لحي الحمصي، ثقة، مخضرم من الثانية (تقريب التهذيب ١ / ٥٧٣ / ٤٤٤) .
(٤) من الدلائل، وفي الاصل عائلا.
(٥) في الدلائل: ثم عقلتهن.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>