للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَغْضَبُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُغْضِبُنِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْصِيَنِي مَا تَقَدَّمَ من ذنبه وما تأخَّر، أمته مرحومة، أعطيهم مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ، وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهُمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ والرُّسل، حتى يأتوني بوم الْقِيَامَةِ وَنُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افترضت عليهم أن يتطهروا إلى كل صَلَاةٍ، كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسل قَبْلَهُمْ.

يَا دَاوُدُ إِنِّي فضَّلت مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا، أَعْطَيْتُهُمْ سِتَّ خِصَالٍ لَمْ أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الأمم: لا آخذهم بِالْخَطَأِ والنِّسيان، وَكُلُّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ إِنِ اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ لَهُمْ، وَمَا قدَّموا لآخرتهم من شئ ضيبة به أنفسهم جعلته لهم أضعافا مضاعفة ولهم في المدَّخر عِنْدِي أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْطَيْتُهُمْ، عَلَى الْمَصَائِبِ فِي الْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، الصَّلاة والرَّحمة وَالْهُدَى إِلَى جَنَّاتِ النَّعيم، فَإِنْ دَعَوْنِي اسْتَجَبْتُ لَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَرَوْهُ عَاجِلًا، وَإِمَّا أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُمْ سُوءًا، وَإِمَّا أَنْ أدَّخره لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، يَا دَاوُدُ! مَنْ لَقِيَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك له صَادِقًا بِهَا، فَهُوَ مَعِي فِي جَنَّتِي وَكَرَامَتِي، ومن لقيني وقد كب محمداً أو كذَّب بِمَا جَاءَ بِهِ، وَاسْتَهْزَأَ بِكِتَابِي صَبَبْتُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْعَذَابَ صَبًّا، وَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ عِنْدَ مَنْشَرِهِ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ أُدخله فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار (١) .

وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الشَّريف أَبُو الْفَتْحِ الْعُمَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ أَبُو سَعِيدٍ [الرَّبَعِيُّ] ، حَدَّثَنِي محمد بن عمر بن سعيد - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّام، فَلَمَّا كُنْتُ بِبَصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصارى فَقَالُوا لِي: أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: فَتَعْرِفُ هَذَا

الَّذِي تنبَّأ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخَذُوا بِيَدِي فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا النَّبيّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، قُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذلك الدَّير، فإذا فيه تماثيل وصورا أَكْثَرَ مِمَّا فِي ذَلِكَ الدَّير، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَقَالُوا لِي: هَلْ تَرَى صِفَتَهُ؟ قلت: نعم، قالوا: هو هَذَا؟ - وَأَشَارُوا إِلَى صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - قُلْتُ: (اللَّهُمَّ) نَعَمْ، أَشْهَدُ أنه هو، قالوا: أتعرف هذا الذي آخِذٌ بِعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحَبُكُمْ وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ (٢) .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ


(١) دلائل النبوة ج ١ / ٣٨٠ - ٣٨١.
(٢) رواه البيهقي في الدلائل ج ١ / ٣٨٤ - ٣٨٥ والبخاري في التَّاريخ الكبير ١ / ١ / ١٧٩.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>