وَأَنِّي لَمْ أكذِّب عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهر، فَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَالِكِ الضُّرِّ والنَّفع، الَّذِي هو على كل شئ قدير، وبكل شئ عَلِيمٌ؟ وَأَيُّ ذَنْبٍ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) * أَيْ لَوْ كذَّب عَلَيْنَا لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أن يحجزنا عنه ويمنعنا مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شئ، وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) * [الأنعام: ٩٣] وقال تعالى: * (قُلْ أي شئ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) * [الأنعام: ١٩] وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الله شهيد على كل شئ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الشُّهداء، وَهُوَ مطَّلع عليَّ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَنْهُ، وَتَتَضَمَّنُ قُوَّةُ الْكَلَامِ قَسَمًا بِهِ أنَّه قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الْخَلْقِ لِأُنْذِرَهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) * [هود: ١٧] فَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادقة عَنِ الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسَّموات وَالْأَرْضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فيهنَّ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ مُبَرْهَنَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ الصَّحيح، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) * [الإسراء: ٨٩] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) * [العنكبوت: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لعلهم يتقون) * [الزمر: ٢٧] وفي القرآن العظيم الإخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما في كتب أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذلك شاهداً له، مع كونه نزل على رجل أمي، لا يعرف الكتابة، ولم يعان يوماً من الدَّهر شيئاً من علوم الأوائل، ولا أخبار الماضين، فلم يفجأ النَّاس إلا بوحي إليه عما كان من الأخبار النَّافعة، التي ينبغي أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الأمم مع الأنبياء، وما كان منهم من أمورهم معهم، وكيف نجَّى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتي بمثلها أبد الآبدين، ودهر الدَّاهرين، ففي مكان تقص القصة موجزة في غاية البيان والفصاحة، وتارة تبسط، فلا أحلى ولا أجلى ولا أعلى من ذلك السِّياق حتى كأن التالي أو السَّامع مشاهد لما كان، حاضر له، معاين للخبر بنفسه كما قال تعالى: * (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) * [آل عمران: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إذا يَخْتَصِمُونَ) * [آل عمران: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: فِي سُورَةِ يُوسُفَ، * (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute