للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا، قال: فتبسم رسول الله ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، فتكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل (١). وقد رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به … وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد قال: سئل أنس هل كان رسول الله يرفع يديه؟ فقال: قيل له يوم جمعة: يا رسول الله قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى، ولقد رفع يديه فاستسقى ولقد رفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فما قضينا الصلاة حتى أن الشاب قريب الدار ليهمه الرجوع إلى أهله، قال: فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا رسول الله تهدمت البيوت واحتبست الركبان، فتبسم رسول الله من سرعة ملالة ابن آدم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فتكشطت عن المدينة (٢). وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجوه. وقال البخاري وأبو داود واللفظ له: ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، وعن يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله ، فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت الكراع، هلكت الشاء، فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا. قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت الريح، أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عز إليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه. فتبسم رسول الله ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل (٣). فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك لأنها تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن. وقال البيهقي باسناده من غير وجه إلى أبي معمر سعيد بن أبي خيثم الهلالي، عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله والله لقد أتيناك، وما لنا بعير يبسط ولا صبي يصطبح وأنشد:

أتيناك والعذراء يدمي لبانها … وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وألقى بكفيه الفتى لاستكانة … من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلي (٤)

ولا شئ مما يأكل الناس عندنا … سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا … وأين فرار الناس إلا إلى الرسل


(١) فتح الباري - ٢/ ٥١٢ حديث ١٠٢١.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٣/ ١٠٤، ١٨٧، ١٩٤، ٢٦١، ٢٧١.
(٣) فتح الباري ٢/ ٥٠٨ حديث ٥٠٨.
(٤) في دلائل البيهقي ٦/ ١٤١: من الجوع ضعفا ما يمر ولا يخلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>