للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه ﷿، وقال تعالى:(وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) * الآية [النور: ٥٥]، وهكذا وقع سواء بسواء، مكن الله هذا الدين وأظهره، وأعلاه ونشره في سائر الآفاق، وأنفذه وأمضاه، وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بخلافة الصديق، ولا شك في دخوله فيها، ولكن لا تختص به، بل تعمه كما تعم غيره، كما ثبت في الصحيح (١) " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لننفقن كنوزهما في سبيل الله "، وقد كان ذلك في زمن الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وأرضاهم، وقال تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)[التوبة: ٣٣] وهكذا وقع وعم هذا الدين، وغلب وعلا على سائر الأديان، في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمته في زمن الصحابة ومن بعدهم، وذلت لهم سائر البلاد، ودان لهم جميع أهلها، على اختلاف أصنافهم، وصار الناس إما مؤمن داخل في الدين، وإما مهادن باذل الطاعة والمال، وإما محارب خائف وجل من سطوة الاسلام وأهله. وقد ثبت في الحديث: إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها (٢). وقال تعالى:(قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) * الآية [الفتح: ١٦]، وسواء كان هؤلاء هوازن أو أصحاب مسيلمة، أو الروم، فقد وقع ذلك، وقال تعالى … (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما … وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا)[الفتح: ٢٠] وسواء كانت هذه الأخرى خيبر أو مكة فقد فتحت وأخذت كما وقع به الوعد سواء بسواء، وقال تعالى:(لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا)[الفتح: ٢٧] فكان هذا الوعد في سنة الحديبية عام ست، ووقد إنجازه في سنة سبع عام عمرة القضاء كما تقدم، وذكرنا هناك الحديث بطوله، وفيه أن عمر قال: يا رسول الله ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قال: لا، قال فإنك تأتيه وتطوف به. وقال تعالى:(وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)[الأنفال: ٧] وهذا الوعد كان في وقعة بدر لما خرج رسول الله من المدينة ليأخذ عير قريش، فبلغ قريش خروجه إلى عيرهم، فنفروا في


(١) صحيح مسلم - كتاب الفتن الحديث ٧٧ ص (٤/ ٢٢٢٧) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الفتن ح ٢٨٨٩ ص ٤/ ٢٢١٥. عن ثوبان.
- زوى: جمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>