للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك إخباره عن فتح مدائن كسرى وقصور الشام وغيرها من البلاد يوم حفر الخندق، لما ضرب بيده الكريمة تلك الصخرة فبرقت من ضربه، ثم أخرى، ثم أخرى كما قدمناه … ومن ذلك إخباره عن ذلك الذراع أنه مسموم، فكان كما أخبر به، اعترف اليهود بذلك، ومات من أكل معه - بشر بن البراء بن معرور - … ومن ذلك ما ذكره عبد الرزاق عن معمر أنه بلغه أن رسول الله قال ذات يوم: اللهم نج أصحاب السفينة، ثم مكث ساعة، ثم قال: قد استمرت * والحديث بتمامه في دلائل النبوة للبيهقي (١)، وكانت تلك السفينة قد أشرفت على الغرق وفيها الأشعريون الذين قدموا عليه وهو بخيبر … ومن ذلك إخباره عن قبر أبي رغال، حين مر عليه وهو ذاهب إلى الطائف وأن معه غصنا من ذهب، فحفروه فوجدوه كما أخبر، صلوات الله وسلامه عليه … رواه أبو داود من حديث أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن بحر بن أبي بحر عن عبد الله بن عمرو به … ومن ذلك قوله للأنصار، لما خطبهم تلك الخطبة مسليا لهم عما كان وقع في نفوس بعضهم من الايثار عليهم في القسمة لما تألف قلوب من تألف من سادات العرب، ورؤوس قريش، وغيرهم، فقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم؟ … وقال: إنكم ستجدون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض … وقال: إن الناس يكثرون وتقل الأنصار … وقال لهم في الخطبة قبل هذه على الصفا: بل المحيا محياكم، والممات مماتكم … وقد وقع جميع ذلك كما أخبر به سواء بسواء.

وقال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وأخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (٢) * ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس به … وقال البخاري: ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رفعه: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وقال: لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (٣) … وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث جرير، وزاد البخاري وابن عوانة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير به، وقد وقع مصداق ذلك بعده في أيام الخلفاء الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان، استوثقت هذه الممالك فتحا على أيدي المسلمين، وأنفقت أموال قيصر ملك الروم، وكسرى ملك الفرس، في سبيل الله، على ما سنذكره بعد إن شاء الله. وفي هذا الحديث بشارة عظيمة للمسلمين، وهي أن ملك فارس قد انقطع فلا عودة له، وملك الروم للشام قد زال عنها، فلا يملكوها بعد ذلك، ولله الحمد


(١) راجع الحديث في دلائل النبوة للبيهقي ٦/ ٢٩٨. ولم يذكر في الدلائل إلى أين قدموا عليه أو أين كان لما أخبرهم بخبرها. إنما قال: بعد قوله قد استمرت فلما دنوا من المدينة.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب - ٢٥ باب - ح ٣٦١٨ ومسلم في الفتن ح ٢٩١٨.
(٣) المصدر السابق ح ٣٦١٩. وأخرجه البخاري في فرض الخمس من رواية جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>