للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسَيْلِمَةُ بِقُدُومِ خَالِدٍ عَسْكَرَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: عقربا فِي طَرَفِ الْيَمَامَةِ وَالرِّيفُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَنَدَبَ النَّاس وحثَّهم، فَحَشَدَ لَهُ أَهْلَ الْيَمَامَةِ، وَجَعَلَ عَلَى مُجَنِّبَتَيْ جَيْشِهِ الْمُحْكَمَ بْنَ الطُّفَيْلِ، والرَّجْال بْنَ عُنْفُوَةَ بْنِ نَهْشَلٍ، وَكَانَ الرَّجْال هَذَا صَدِيقُهُ الَّذِي شَهِدَ لَهُ أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّه قَدْ أَشْرَكَ مَعَهُ مُسَيْلِمَةَ بْنَ حَبِيبٍ فِي الأمر، وكان هَذَا الْمَلْعُونُ مِنْ أَكْبَرِ مَا أضلَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ، حَتَّى اتَّبعوا مُسَيْلِمَةَ، لَعَنَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ الرَّجْال هَذَا قَدْ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَجَاءَ زَمَنَ الرِّدَّة إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ويثبِّتهم عَلَى الْإِسْلَامِ، فارتدَّ مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ لَهُ بالنُّبُّوة * قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي رَهْطٍ مَعَنَا الرَّجْال بْنُ عُنْفُوَةَ، فَقَالَ: إنَّ فِيكُمْ لرجلاً ضرسه في النَّار أعظم من واحد، فَهَلَكَ الْقَوْمُ وَبَقِيتُ أَنَا والرَّجْال وَكُنْتُ مُتَخَوِّفًا لَهَا، حَتَّى خَرَجَ الرَّجْال مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ لَهُ بالنُّبُّوة، فَكَانَتْ فِتْنَةُ الرَّجْال أَعْظَمَ مِنْ فتنة مسيلمة * رواه ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ * وقرب خالد وقد جعل على المقدِّمة شرحبيل بن حَسَنَةَ، وَعَلَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ زَيْدًا وَأَبَا

حُذَيْفَةَ، وَقَدْ مرَّت المقدِّمة فِي اللَّيل بِنَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ ستِّين فَارِسًا (١) ، عَلَيْهِمْ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ لِأَخْذِ ثَأْرٍ لَهُ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى قومه فأخذوهم فلما جئ بهم إلى خالد عن آخرهم فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يصدِّقهم، وَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ كلَّهم، سِوَى مُجَّاعَةَ فإنَّه اسْتَبْقَاهُ مُقَيَّدًا عِنْدَهُ - لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ وَالْمَكِيدَةِ - وَكَانَ سَيِّدًا فِي بَنِي حَنِيفَةَ، شَرِيفًا مُطَاعًا، وَيُقَالُ: إنَّ خَالِدًا لمَّا عُرِضُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ يَا بَنِي حَنِيفَةَ؟ قَالُوا: نَقُولُ منَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَقَتَلَهُمْ إِلَّا وَاحِدًا اسْمُهُ سَارِيَةُ، فَقَالَ له: أيُّها الرَّجل إن كنت تريد عداً بعدول هذا خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَاسْتَبْقِ هَذَا الرَّجل - يَعْنِي مُجَّاعَةَ بْنَ مُرَارَةَ - فَاسْتَبْقَاهُ خَالِدٌ مُقَيَّدًا، وَجَعَلَهُ فِي الْخَيْمَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا، فلمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ قَالَ مُسَيْلِمَةُ لِقَوْمِهِ: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستنكح النِّساء سبيَّات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا على أَحِسَابِكُمْ وَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ، وتقدَّم الْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ خَالِدٌ عَلَى كَثِيبٍ يُشْرِفُ عَلَى الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَرَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ ثَابِتِ بن قيس ين شَمَّاسٍ، وَالْعَرَبُ عَلَى رَايَاتِهَا، وَمُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ مقيَّد فِي الْخَيْمَةِ مَعَ أُمِّ تَمِيمٍ امْرَأَةِ خالد، فاصطدم المسلمون والكفَّار فكانت جَوْلَةٌ وَانْهَزَمَتِ الْأَعْرَابُ حتَّى دَخَلَتْ بَنُو حَنِيفَةَ خَيْمَةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وهمُّوا بِقَتْلِ أُمِّ تَمِيمٍ، حَتَّى أَجَارَهَا مُجَّاعَةُ وَقَالَ: نِعْمَتِ الحرَّة هَذِهِ، وَقَدْ قُتل الرَّجْال بْنُ عُنْفُوَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْجَوْلَةِ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الخطَّاب، ثمَّ تَذَامَرَ الصَّحابة بَيْنَهُمْ وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: بِئْسَ مَا عوَّدتم أَقْرَانَكُمْ، وَنَادَوْا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: اخْلُصْنَا يَا خَالِدُ، فَخَلَصَتْ ثلَّة مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحَمِيَ البراء بن معرور - وَكَانَ إِذَا رَأَى الْحَرْبَ أَخَذَتْهُ الْعُرَوَاءُ فَيَجْلِسُ على ظهر الرجال حَتَّى يَبُولَ فِي سَرَاوِيلِهِ، ثمَّ يَثُورُ كَمَا يَثُورُ الْأَسَدُ، وَقَاتَلَتْ بَنُو حَنِيفَةَ قِتَالًا لَمْ يعهد مثله،


(١) في ابن الاعثم: ثلاثة وعشرون رجلاً.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>