انهزم من المسلمين ويقلن: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج؟ فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى القتال.
قال وتجلل القيقلان وأشراف من قومه من الروم ببرانسهم وقالوا: إذا لم نقدر على نصر دين النصرانية فلنمت على دينهم. فجاء المسلمون فقتلوهم عن آخرهم. قالوا: وقتل في هذا اليوم من المسلمين ثلاثة آلاف منهم عكرمة وابنه عمرو، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد، وأثبت خالد بن سعيد فلا يدرى أين ذهب وضرار بن الأزور، وهشام بن العاص وعمرو ابن الطفيل بن عمرو الدوسي، وحقق الله رؤيا أبيه يوم اليمامة. وقد أتلف في هذا اليوم جماعة من الناس انهزم عمرو بن العاص في أربعة حتى وصلوا إلى النساء ثم رجعوا حين زجرهم النساء، وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه ثم تراجعوا حين وعظهم الأمير بقوله تعالى: … (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) … الآية [التوبة: ١١١].
وثبت يومئذ يزيد بن أبي سفيان وقاتل قتالا شديدا، وذلك أن أباه مر به فقال له: يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفا بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين؟! أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الاجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الاسلام منك. فقال: أفعل إن شاء الله. فقاتل يومئذ قتالا شديدا وكان من ناحية القلب ﵁.
وقال سعيد بن المسيب عن أبيه قال: هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتا يكاد يملا العسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال: فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد. وأكمل خالد ليلته في خيمة تدارق أخي هرقل - وهو أمير الروم كلهم يومئذ - هرب فيمن هرب، وباتت الخيول تجول نحو خيمة خالد يقتلون من مر بهم من الروم حتى أصبحوا وقتل تدارق وكان له ثلاثون سرادقا وثلاثون رواقا من ديباج بما فيها من الفرش والحرير، فلما كان الصباح حازوا ما كان هنالك من الغنائم. وما فرحوا بما وجدوا بقدر حزنهم على الصديق حين أعلمهم خالد بذلك ولكن عوضهم الله بالفاروق ﵁.
وقال خالد حين عزى المسلمين في الصديق: الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت، وكان أحب إلي من عمر، والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلي من أبي بكر وألزمني حبه.
وقد اتبع خالد من انهزم من الروم حتى وصل إلى دمشق فخرج إليه أهلها فقالوا: نحن على عهدنا وصلحنا؟ قال: نعم. ثم اتبعهم إلى ثنية العقاب فقتل منهم خلقا كثيرا ثم ساق وراءهم إلى حمص فخرج إليه أهلها فصالحهم كما صالح أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة عياض بن غنم وراءهم أيضا فساق حتى وصل ملطية فصالحه أهلها ورجع. فلما بلغ هرقل ذلك بعث إلى مقاتليها