للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسيرة ثمانين فرسخا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة وقوله (لولا أن تفندون) أي تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن. قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة تفندون تسفهون. وقال مجاهد أيضا والحسن تهرمون (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) قال قتادة والسدي قالوا له كلمة غليظة (١). قال الله تعالى (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا) أي بمجرد ما جاء (٢) ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه عند ذلك (ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف وستقر عيني به وسيريني فيه ومنه ما يسرني فعند ذلك (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) طلبوا منه أن يستغفر لهم الله ﷿ عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه. ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا (سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم).

قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم أرجأهم إلى وقت السحر قال ابن جرير حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال كان عمر يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول " اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي " قال فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله (سوف أستغفر لكم ربي) وقد قال الله تعالى (والمستغفرين بالاسحار) [آل عمران: ١٧] وثبت في الصحيحين (٣) عن رسول الله قال: " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له " (٤) وقد ورد في حديث ": أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة " قال ابن جرير (٥) حدثني المثني. ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن أيوب الدمشقي حدثنا الوليد (٦) أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول لله (سوف أستغفر لكم ربي) يقول حتى تأتي ليلة الجمعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه. وهذا غريب من هذا الوجه. وفي


(١) زاد قتادة: ولم يكن يجوز أن يقولوها لنبي الله; والمراد بقولهم: حبك القديم ليوسف لا تنساه ولا تذهل عنه، وما تكابد من الأحزان والشقاء على يوسف.
(٢) جمهور المفسرين البشير هو: يهودا. وفي رواية للطبري ١/ ١٨٥: البشير: يعني البريد الذي أبرده يوسف إلى يعقوب.
(٣) وفي النسخ المطبوعة: الصحيح وهو تحريف.
(٤) صحيح مسلم في ٦ كتاب صلاة المسافرين باب ٢٣/ ح ١٦٦/ ٧٥٧ ص ١/ ٥٢١ عن جابر بن عبد الله.
(٥) تاريخ الطبري ج ١/ ١٨٦.
(٦) وهو الوليد بن مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>